كشفت خرائط الرصيف البحري الأميركي على ساحل غزة المستور ما تخطط له واشنطن للحرب. فهي تريد إضافة احتلال أميركي الى الاحتلال الإسرائيلي بدلاً من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وكما هي العادة، حيث تحتل تل أبيب تُكمل واشنطن. كما حدث مع اجتياح لبنان وقدوم المارينز. وكما هي العادة تأتي واشنطن لتجلس فوق آبار النفط والغاز، وها هي في سورية تفعل ذلك كما فعلته في ليبيا والعراق واليمن، حيث إن الرصيف البحري الأميركي هو احتلال لمنطقة غزة مارين التي يتلهف للسطو عليها تجار شركات الغاز الأميركية الذين قيل إنهم قاموا بتمويل جزء من الحرب الإسرائيلية على غزة، وإن معركة رفح ضرورية لأن استكمال السيطرة على غزة مارين يستدعي ذلك.
يظهر التوجّه الأميركي لإدامة الحرب في خلفية الإدارة الأميركية لملف التفاوض حول اتفاق مفترض لإنهاء الحرب على غزة. وهو ما كشف عنه الناطق بلسان قوات القسام أبو عبيدة الذي قال إن الأميركي يخادع ولا يريد الوصول الى إنهاء الحرب، وإن المقاومة رغم كل المرونة التي أظهرتها لم تضع يدها على محاولة جدّية للسير بالتفاوض نحو اتفاق مقبول. وقال أبو عبيدة إن الحرب تبدو مستمرّة والمقاومة جاهزة لها ومستعدّة لمواصلتها بالعزم والإرادة وروح التضحية والإنجاز ذاته، وهي تذيق الاحتلال ما يستحق جزاء جرائمه واحتلاله، داعياً الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية والإسلامية إلى إحياء شهر رمضان تضامناً مع غزة تحت شعار «لبيك يا أقصى»، مؤكداً أن المقاومة لن تتنازل عن شروطها لقبول أي اتفاق لتبادل الأسرى، وهي شروط تتصل بتضحيات الشعب والمقاومة، وفي مقدّمتها وقف نهائي للعدوان وفك الحصار وخطة لإعادة الإعمار وعودة النازحين وفتح المعابر أمام القوافل الإنسانية الإغاثية.
على جبهات القتال، المقاومة تصعّد عملياتها وتوجّه ضربات نوعيّة في جبهة لبنان حيث استهداف تجمّعات للجنود، ومواقع عسكرية حيوية. وفي جبهة المقاومة العراقية طائرات مسيّرة على قواعد جيش الاحتلال في الجولان السوري المحتل، وفي جبهة اليمن والبحر الأحمر تصعيد نوعي بعمليات مستمرة طوال الليل استدعت تأجيل البيان العسكري حتى صباح اليوم، بينما في غزة مزيد من القتلى والجرحى في جيش الاحتلال وصواريخ على مستعمرات غلاف غزة، وعملية مزدوجة تستهدف موقعاً عسكرياً في مستعمرة حومش في الضفة الغربية وتسقط سبعة جنود جرحى جراح أحدهم خطيرة.
تسود الساحة الداخلية حالة من الترقب والقلق مما ستؤول إليه المفاوضات الدولية حول الوضع في غزة ومدى انعكاساتها على الجبهة الجنوبية في ظل سقوط جولة المفاوضات الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ما يؤشر وفق ما تقول مصادر مطلعة على الميدان لـ»البناء» إننا أمام موجة تصعيد جديدة على جبهتي غزة والجنوب وقد تتوسّع لتشتعل المواجهات في كل الساحات من غزة الى الضفة وسورية ولبنان والعراق واليمن، بحال دخلنا شهر رمضان من دون التوصل إلى تسوية أو هدنة ووقف إطلاق النار. ما يعني توسّع دائرة الحرب إلى مستوى الإقليم ما سيؤدي الى مزيد من الإحراج للأميركيين ومزيد من الإرباك والتشقق داخل حكومة الحرب في «إسرائيل». وكان الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام «أبو عبيدة» دعا أمس، لإشعال المواجهات في مختلف الساحات في شهر رمضان.
وعلى الرغم من نفي مسؤولين إسرائيليين ما ينقل عن حكومة الحرب عن التحضير لشن عدوان كبير على لبنان، إلا أن إعلام العدو ووسائل إعلام محلية، استمرّت بتعميم هذا المناخ والتسويق لحرب كبيرة مقبلة على لبنان. إذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم أن «»إسرائيل» تُعدّ خطة لعملية برية محتملة في لبنان، في خضم التصعيد العسكري مع حزب الله المستمر منذ أشهر». وقالت القناة 13 الإسرائيلية، «إن الجيش «يقوم بصياغة خطة للدخول البري إلى لبنان»، موضحة أنه تمّ تكليف العميد موشيه تمير بمسؤولية إعداد عدة خطط محتملة لعملية برية في لبنان بمستويات مختلفة، علماً أن تمير هو من صاغ خطة دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، إذ طُلب منه «استخلاص الدروس من القتال في القطاع».
وعبرت أوساط سياسية وعسكرية عن استهزائها من التهديدات الإسرائيلية بمنح مهلة للبنان حتى منتصف الشهر الحالي لشن عملية جوية وبرية عليه بحال لم يلتزم بتطبيق القرار 1701 وإبعاد خطر حزب الله عن الحدود، شددت لـ»البناء» على أن إطلاق التهديدات اليومية للبنان يعكس العجز الإسرائيلي عن شنّ الحرب، لأن من يستطيع شن الحرب ويملك قدرة الانتصار فيها لا يطلق التهديدات التي لم ينفذ أي منها منذ بداية الحرب في 8 تشرين الأول الماضي. ووضعت المصادر هذه التهديدات في إطار إشاعة مناخ تصعيدي للتغطية على العجز عن شنّ الحرب. لكن المقاومة وفق المصادر تستعدّ لكافة الاحتمالات وتتحضر لأسوأ السيناريوات وستلقن العدو درساً لا ينساه.
وحذّر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من أنه «بحال هاجمت «إسرائيل» لبنان فسنواجهها وستلعن الساعة التي قررت فيها مهاجمة لبنان».
وتوجّه قاسم في كلمة له خلال احتفال لحزب الله، للذين يقومون بالضغط على لبنان والمقاومة بالقول: «أقلعوا عن هذا السلوك لمصلحة أبنائكم وشركائكم والوطن»، وأضاف: «نحن اليوم أمام تحدٍّ مفصليّ، وتأكدوا أن العدو يُصاب بخسائر ضخمة جدًا، وإحدى سياساته أنه يُخفي خسائره، فضلًا عن أنه يضع ثلث جيشه على الحدود الشمالية، وهذا دليل على حجم الخوف والتكلفة والأضرار. ويقول البعض إننا نخسر. صحيح كلانا يخسر، إنما ما نخسره نبني عليه انتصار المستقبل، أما ما يخسرونه فإنهم يبنون عليه هزيمة المستقبل».
وكشف قاسم أنّ «قيادات المقاومة أبلغتنا أنّه لو استمرّ الأمر لأشهر هم قادرون على الصمود، وحينما سألناهم عن مدينة رفح أبلغونا أن العدو يظن أنّها مركز العمليات، علمًا أنّها مدينة كباقي مدن قطاع غزة». ولفت إلى أنّنا «أمام مشهدين في غزة، مشهد المقاومة التي تقاتل بشجاعة متناهية، حيث يقترب المقاتل من الدبابة حتى مسافة صفر، وله أهل صابرون يتحمّلون القتل والتدمير والتشرّد والنزوح والجوع والعطش، ولكنهم ينهجون بمنطق واحد، منطق المقاومة لتحرير أرضنا واستعادة فلسطيننا وقدسنا».
على الصعيد الميدانيّ، استهدفت غارة حربية إسرائيلية منطقة المشاعات بين المنصوري ومجدل زون، كما استهدفت أخرى منزلاً في بلدة برعشيت، وأفيد عن سقوط جريحين. وأطلق جيش الاحتلال قذيفتين على تلة المطران – محيط حمامص في سردا، فيما طاول القصف المدفعي حي كركزان شمال بلدة ميس الجبل وحولا الجهة الجنوبية. وأغار طيران الاحتلال على منزل في مجدل زون، ما أدّى إلى تدميره بالكامل، ووقوع إصابات طفيفة في صفوف الأهالي من جراء تناثر الزجاج والحجارة على المنازل المجاورة وأفاد مراسل «المنار»، ليل أمس بـ «إطلاق رشقات رشاشة غزيرة إسرائيلية من مستوطنة «المطلّة» باتجاه المنطقة الواقعة بين بلدتي كفركلا والعديسة».
من جهتها، واصلت المقاومة الإسلامية، عملياتها مستهدفة مواقع للعدو على الحدود اللبنانية الفلسطينية وتجمعات لجنوده محققة إصابات مباشرة. واستهدف مجاهدو المقاومة انتشارًا لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع الراهب، وتجمعًا لجنود العدو وآلياته شرق موقع السمّاقة في تلال كفرشوبا اللبنانية، وتجمعًا آخر لجنود العدو في محيط موقع جل العلام بصاروخ «فلق واحد» وأصابوه إصابةً مباشرة. كذلك، استهدفت المقاومة موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابوه إصابة مباشرة، كما استهدفت مرابض مدفعيّة العدو في ديشون بصواريخ الكاتيوشا.
في المواقف، أشار رئيس الحزب التقدمي الاشتنراكي السابق وليد جنبلاط، في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، بالقول: «لا شيء سيمنع المجاعة والموت لشعب غزة إذا كنت تؤخر وقف إطلاق النار الفوري». وأضاف: «لا جدوى من ارتجال موانئ وهمية أو إسقاط حصص غذائية هزيلة وسط القصف المستمر لغزة».
الى ذلك نفت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ «البناء» ما تم التداول به في بعض وسائل الإعلام عن قيام مسؤول أمني إسباني يعمل في السفارة الإسبانية في لبنان بعمليات تجسس او تصوير اهداف امنية وسكنية في الضاحية الجنوبية لحساب السفارة. مؤكدة أن الموظف الذي اوقف في الضاحية وسلم لمخابرات الجيش ثم الى أمن السفارة ليس من عداد جهاز امن السفارة وليس دبلوماسياً بل يعمل كحارس في السفارة. كما كشفت المصادر أن السفارة اتخذت إجراءات عقابية بحق الموظف الحارس ورحّلته الى إسبانيا. ووضعت المصادر الحملة الإعلامية التي تتعرض لها السفارة الإسبانية في لبنان ودولة إسبانيا في اطار الانتقام الاسرائيلي من موقف إسبانيا المتعاطف مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة، علماً أن إسبانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية.
وتساءلت المصادر عن توقيت الحملة الإعلامية على سفارة إسبانيا في لبنان بالتزامن مع إعلان إسبانيا بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية. وكانت «إسرائيل هيوم» اعلنت أن إسبانيا ستفرض عقوبات على 12 مستوطناً!
وقال وزير الخارجية خوسيه مانويل ألفاريز إن إسبانيا لديها قائمة تضم عشرات الأسماء، وأنه قد تكون هناك جولة ثانية من العقوبات.
على الخط الرئاسيّ، توقف مراقبون عند الحركة القطرية خلال الأسبوعين الماضيين، فبينما واصل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، زيارته السرية الى قطر لإجراء مشاورات مع القيادة القطرية حول ملفي الحدود الجنوبية ورئاسة الجمهورية، زار سفير قطر سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني رئيس الحزب الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط.
وأفادت مصادر إعلامية بأنّ «اللّقاء المرتقب في عين التينة بين رئيس مجلس النّواب نبيه بري وكتلة «الاعتدال الوطني»، سيحدّد مصير المبادرة الرّئاسيّة للكتلة»، مشيرةً إلى أنّ «اجتماع سفراء اللجنة الخماسية، أعلن صراحةً تأييده لمبادرة «الاعتدال» الرّئاسيّة، ودعمه لها».
وأكّدت مصادر كتلة الاعتدال أنّ «لا صحّة للكلام عن جوّ سلبيّ سيطر على لقاءاتنا مع «حزب الله»، بل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النّائب محمد رعد أكد أنّ الحزب سيدرس المبادرة».
وشدد مصدر سياسي لـ»البناء» على أن ملف رئاسة الجمهورية بات مرتبطاً بتطورات المشهد العسكري والسياسي في غزة، ولن يفتح الاستحقاق الرئاسي بشكل جدي قبل اتضاح مآل الوضع في القطاع، لا سيما بعد الإعلان عن أجواء سلبية سادت مفاوضات القاهرة أدّى الى تجميدها. ولفت المصدر الى أنه على الرغم من كل الحراك الخارجي والداخلي، لكن الملف الرئاسي لم يبارح مربع التعطيل، ولا رئيس ولا رئاسة قبل نهاية الحرب في غزة، لا سيما أن ثنائي حركة أمل وحزب الله متمسكان برئيس تيار المرده سليمان فرنجيه. أما المفاوضات القائمة في قطر حول الرئاسة في لبنان مع وجود النائب خليل فيها، فتهدف الى العمل بالتوازي بين الملفين الرئاسي والوضع الأمني في الجنوب للتوصل الى تسوية تضمن الأمن على جانبي الحدود مع ترتيبات أمنية ودولية، قد تفتح الباب أمام اختراق جدّي في جدار الرئاسة لكي تنتج رئيساً للجمهورية وحكومة لتوقيع أي اتفاق حدودي وضمان تطبيقه بحال توصلت الأطراف المفاوضة الى صفقة لإطلاق النار وتبادل أسرى في غزة.