ضُبطت ساعات الهدنة في غزّة بشكل مبدئي على توقيت شهر رمضان، ومن المفترض في حال نجحت المباحثات الجارية في فرنسا وقطر ومصر بين حركة “حماس” وإسرائيل أن يتم الاتفاق على هدنة إنسانية تمتد لفترة مرجّحة ما بين أربعة وستة أسابيع.
لم يتم الاتفاق على كافة نقاط الاتفاق بعد، والشيطان يكمن في التفاصيل، خصوصاً وأن الطروحات الموضوعة على طاولات البحث تلقى معارضة إسرائيلية داخلية من قبل المتطرفين، لا سيما وزيرا المالية والأمن القومي بتسلئيل سموترتيش وإيتمار بن غفير.
إلّا أن ضغوطاً دولياً كبيرةً تواكب هذه المساعي، وقد تُثمر في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السير باتفاق له مكاسبه على طرفي الصراع، فعلى مقلب “حماس”، سيُفرج بموجب الاتفاق عن مئات الأسرى من السجون الإسرائيلية، كما سيُتيح إدخال المساعدات إلى القطاع المُحاصر.
أما على المقلب الإسرائيلي، فإن مجلس الحرب سيستغل هذه الهدنة من أجل الافراج عن عشرات الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”، إراحة الجيش الإسرائيلي الذي يخوض حرباً منهكة بشكل متواصل منذ نحو خمسة أشهر، وقد توظّف إسرائيل هذه الهدنة لدراسة أوضاع جبهتها الشمالية وإعادة توزيع ألويتها.
بالحديث عن جبهة جنوب لبنان، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت ألمح إلى أن الهدنة لن تشمل هذه الحرب، والجيش الإسرائيلي سيواصل استهداف مواقع “حزب الله” بشكل كثيف خلال هذه الفترة، عكس ما حصل في الهدن السابقة حينما كانت تهدأ جبهة لبنان.
إلّا أن مصادر متابعة للشأن تُشير إلى أن “أي هدنة في غزّة من المفترض أن تنعكس تهدئة موقتة في الجنوب إلى حين تنجلي صورة المنطقة ومصير الهدنة، والتصعيد الإسرائيلي الميداني والكلامي ما هو إلّا في سياق الحرب النفسية الجارية”.
وتلفت المصادر إلى استمرار المساعي الدولية لتجنيب لبنان الحرب، والتي يقودها المستشار الأميركي آموس هوكشتاين وتواكبها عواصم، في طليعتها باريس، وهذه المساعي لم تصل إلى نتيجة فعلية بعد في ظل ربط “حزب الله” جبهة الجنوب بحرب غزّة من جهة، والمشروع الإسرائيلي لإبعاد الحزب عن الحدود.
وتتوقف المصادر عند التصعيد الذي يحصل في الجنوب مؤخراً، ففي حين تستهدف إسرائيل قيادات في صفوف “حزب الله” وتقصف مخازن أسلحة وتستهدف مدنيين خارج نطاق القرار الدولي 1701، فإن رد “حزب الله” يقتصر عن ضرب المواقع العسكرية التقليدية، ومرد ذلك إرداة “حزب الله” ومن خلفه إيران عدم التصعيد.
بالعودة إلى أجواء الإقليم، فإن الحرب في غزّة وفي جنوب لبنان من المرتقب أن تشهد تصعيداً قبل التوصّل إلى اتفاق الهدنة، وهذا ما يجري بالعادة خلال الحروب حول العالم، وبالتالي قد تُقدم إسرائيل على اقتحام رفح، وهذا ما يُلمح إليه نتنياهو في حديثه عن الاستعدادات، وتصعيد وتيرة القصف جنوباً.
إلى ذلك، فإن الأنظار ستتجه هذا الأسبوع إلى إضراب موظفي وزارتي المالية والاقتصاد، خصوصاً وأن استمرار هذا الإضراب سيؤثر مباشرةً على تقاضي موظفي القطاع العام رواتبهم من جهة، وعلى توافر المواد الغذائية في الأسواق واحتجازها في المرافئ، وما ستقوم به حكومة تصريف الأعمال لمعالجة هذه المسألة.
في المحصلة، فإن وضعاً غير مستقر يُسيطر على الأحوال بشكل عام في لبنان والمنطقة، وفترة حذرة تفصل عن الهدنة المرتقبة، لكن الاتفاق في حال تم سيمنح الأطراف المتصارعة متنفساً، وقد تكون مقدّمة إلى إنهاء الحرب انطلاقاً من فترتها الطويلة، بانتظار ما ستفرزه الأيام المقبلة.