سألها أحد أساتذتها أو رفاق الصف عما ترغب بتحقيقه عندما تكبر.
أجابت: “أعتقد أنني رسمت صورة لسحابة، وربما قوس قزح، ورسمت صورة لي، أصنع علاجاً للسرطان أو شيئاً من هذا القبيل”.
خربشات الطفولة تلك تحققت، إذ أرسى بحث وو الأساس العلمي لتطوير لقاحات السرطان المصممة خصيصاً للتركيب الجيني للورم الذي يصيب الفرد. إنها استراتيجية تبدو واعدة بشكل متزايد بالنسبة لبعض أنواع السرطان التي يصعب علاجها، مثل سرطان الجلد وسرطان البنكرياس، بحسب نتائج تجارب المرحلة المبكرة، وقد تكون قابلة للتطبيق على نطاق واسع كي تشمل العديد من أشكال السرطان التي يبلغ عددها 200 أو نحو ذلك.
منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم التي تختار الحائزين جائزة نوبل في الكيمياء والفيزياء، وو جائزة سيوبيرغ تكريماً “للمساهمات الحاسمة” في أبحاث السرطان الأسبوع الماضي.
وقال أوربان ليندال، أستاذ علم الوراثة في معهد كارولينسكا في السويد وأمين اللجنة التي تمنح الجائزة، إن علاج السرطان “تقدّم على مرّ السنين، لكن لا يزال هناك الكثير من (الاحتياجات) الطبية التي لم تتم تلبيتها للعديد من أشكال السرطان”.
علاجات السرطان بالمطرقة
والعلاجات الأكثر شيوعاً للسرطان: العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي. وهما أشبه بالمطارق الثقيلة، إذ يضربان جميع الخلايا وغالباً ما يلحقان الضرر بالأنسجة السليمة. منذ خمسينيات القرن العشرين، كان الباحثون في مجال السرطان يبحثون عن طريقة لتعزيز جهاز المناعة في الجسم الذي يحاول بشكل طبيعي محاربة السرطان، لكنّ الأخير يتفوّق عليه.
اكتشاف رائع لعلاج السرطان
وضع الحائزان جائزة نوبل في الطب لعام 2018، العالم الياباني تاسوكو هونجو (إلى اليسار)، والعالم الأميركي جيمس بي أليسون، الأساس لفئة جديدة من أدوية السرطان.
كان التقدم على هذه الجبهة متوسطاً حتى عام 2011 تقريباً، مع وصول فئة من الأدوية تُسمّى مثبطات نقطة التفتيش التي تعزز النشاط المضاد للورم للخلايا التائية، وهي جزء مهم من الجهاز المناعي. أدى ذلك إلى حصول تاسوكو هونجو وجيمس أليسون على جائزة نوبل في الطب لعام 2018، وقد فاز الأخير بجائزة سيوبيرغ لعام 2017.
وقد ساعدت هذه الأدوية بعض الأشخاص المصابين بالسرطان الذين كان يمكن أن يعيشوا أشهراً، في البقاء على قيد الحياة لعقود من الزمن، لكنها لا تعمل على جميع مرضى السرطان، ويواصل الباحثون البحث عن طرق لتعزيز جهاز المناعة في الجسم ضد السرطان.
وقالت وو: “لقد مررت بتجارب أكاديمية تكوينية حقاً جعلتني مهتمة جداً بقوة علم المناعة. كان أمام عيني أشخاص يتم شفاؤهم من سرطان الدم بسبب تعبئة الاستجابة المناعية”.
ركّز بحث وو على الطفرات الصغيرة في الخلايا السرطانية. فهذه الطفرات التي تحدث مع نمو الورم، تخلق بروتينات مختلفة قليلاً عن تلك الموجودة في الخلايا السليمة. ويولد البروتين المتغيّر الذي أُطلق عليه اسم المستضد الورمي الجديد الذي يمكن أن تتعرف إليه الخلايا التائية في الجهاز المناعي على أنه دخيل، وبالتالي عرضة للهجوم.
وقال ليندال إنه مع وجود الآلاف من المرشحين المحتملين للمستضدات الجديدة، استخدمت وو “العمل المختبري المذهل” لتحديد المستضدات المستحدثة الموجودة على سطح الخلية، ما يجعلها هدفاً محتملاً للقاح.
وشرح: “إن كان لجهاز المناعة أن يحظى بفرصة مهاجمة الورم، فيجب أن يظهر هذا الاختلاف على سطح الخلايا السرطانية.. وإلا فإن الأمر لا معنى له إلى حدّ كبير”.
“اكتشاف رائع”
ووُجدت فكرة لقاح السرطان منذ عقود. ويستهدف لقاح فيروس الورم الحليمي البشري المستخدم على نطاق واسع، الفيروس المرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، والفم، والشرج، والقضيب. لكن في كثير من الحالات، فشلت لقاحات السرطان في تحقيق هدفها، ومرد ذلك إلى حد كبير إلى عدم التمكن من تحديد الهدف الصحيح.
وقال هانز غوستاف ليونغرين، أستاذ علم المناعة في معهد كارولينسكا في مقطع فيديو نشرته الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم: “لقد تطورت القدرة على تحديد مستضدات الورم النوعية الجديدة إلى مجال كبير في أبحاث السرطان، حيث توفر إمكانية إنتاج لقاحات سرطانية خاصة بالورم. وهذا الأمر يُعد اكتشافاً رائعاً”.
ومن خلال تسلسل الحمض النووي من الخلايا السليمة والسرطانية، حددت وو وفريقها المستضدات الورمية الفريدة لمريض السرطان. يمكن استخدام النسخ الاصطناعية من هذه المستضدات الجديدة الفريدة كلقاح شخصي لتنشيط جهاز المناعة كي يستهدف الخلايا السرطانية. أرادت وو وفريقها اختبار هذه التكنولوجيا على مرضى سرطان الجلد المتقدم في تجربة.
وقالت وو إن فكرة حصول كل مريض مشارك في التجربة على لقاح فردي كان صعباً بداية، على إدارة الغذاء والدواء الأميركية، التي تنظم التجارب السريرية، أن تستوعبها بشكل جماعي. عادةً، تطلب إدارة الغذاء والدواء الأميركية اختبار اللقاحات أولاً في التجارب على الحيوانات.
قدمت وو وفريقها حجتهم: “كانت تلك الغرفة مكتظة. لقد كانت (التجربة) الأولى من نوعها، وكان هناك أشخاص من مكاتب عديدة ومختلفة. كانت حجتنا هي: “هذا أمر شخصي، كل ما نفعله مع الحيوان لا يتطابق حقاً مع الإنسان، فلماذا نتبع هذا الطريق؟”.
بمجرد حصوله على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، قام الفريق بتطعيم ستة مرضى مصابين بسرطان الجلد المتقدم من خلال دورة مكونة من سبع جرعات من لقاحات المستضدات الجديدة الخاصة بالمريض.
نشرت النتائج المذهلة بمقالة عام 2017، في مجلة Nature. بالنسبة لبعض المرضى، أدّى هذا العلاج إلى تنشيط خلايا الجهاز المناعي واستهداف الخلايا السرطانية.
وعلّق ليندال على أن النتائج، إلى جانب بحث آخر نُشر في العام عينه بقيادة مؤسّسي شركة لقاح mRNA BioNTech، قدمت “دليلاً مبدئياً” على أن اللقاح يمكن أن يستهدف ورماً محدداً لدى شخص ما.
وأظهرت المتابعة التي أجراها فريق وو بعد أربع سنوات من تلقي المرضى اللقاحات المنشورة في عام 2021، أن الاستجابات المناعية كانت فعّالة في إبقاء الخلايا السرطانية تحت السيطرة.
وأوضحت وو: “أنا ممتنة لجميع المرضى الذين شاركوا في تجربتنا لأنهم عبارة عن شركاء فاعلين. من الصعب الخضوع لعلاج غير معروف الفائدة، وأن نكون على استعداد للحصول على جميع الإضافات التي نحتاج إليها للقيام بهذا النوع من الأبحاث. هناك المزيد من الاختبارات، وهناك المزيد من عمليات سحب الدم، وهناك المزيد من الخزعات”.
منذ ذلك الحين، قام فريق وو ومجموعات أخرى من الباحثين الطبيين وشركات الأدوية، بما في ذلك Merck وModerna وBioNTech، بتطوير هذا المجال من البحث، مع إجراء تجارب على لقاحات تعالج سرطان البنكرياس والرئة وكذلك سرطان الجلد.