بعدما وصلت كلفة إشعال صوبيا المازوت إلى 800 ألف ليرة يومياً، صارت التدفئة «ترفاً»، ولجأ كثيرون، بعد تقنين الكهرباء والمياه، إلى «تقنين الدفء»، ومواجهة «غضب الطبيعة» باللجوء إلى… الطبيعة نفسها.ضيق ذات اليد جعل الأحراج مقصداً للباحثين عن الأغصان التي تخلّفها عمليات التشحيل، وحتى إلى القطع الجائر للأشجار، فيما لجأ من أحوالهم أفضل إلى شراء الحطب الذي زاد الطلب عليه في السنوات الثلاث الأخيرة «بسبب فعاليته الأكبر ورخص سعره مقارنة بالمازوت»، وفقاً لأحمد صالح، وهو تاجر حطب في إقليم الخروب.
إذ يصل سعر طنّ حطب السنديان والملول إلى 170 دولاراً يغذّي الصوبيا لشهرين، بما يوازي كلفة برميل واحد من المازوت (200 ليتر) يكفي الصوبيا لشهر واحد فقط. وإذا ما تخلّى الزبون عن السنديان، الذي هو الأغلى، فيمكنه الاستعاضة عنه بأنواع أرخص كالليمون (سعر الطنّ 140 دولاراً) والصنوبر (100 دولار). ناهيك عن أنّ «صوبيا الحطب هنيّة، وتقبل ما تيسّر من أوراق وكرتون وثياب بالية وورق شجر وجفت الزيتون والنشارة التي يُباع الكيس الواحد منها بـ 300 ألف ليرة، ما يكفينا لإشعال الصوبيا لأيام مع الاستعانة بالقليل من الحطب السميك»، كما يقول عمر من عكار.
بالتوازي، اعتمدت أسر كثيرة تدابير وإجراءات منزلية، من بينها إغلاق بعض الغرف وحصر «حركتها» في غرفة واحدة والاكتفاء غالباً بصوبيا واحدة، و«تقنين» ساعات الإشعال. فـ«خلال النهار نكتفي بالبطانيات، ولا نشعل الصوبيا قبل أن يلتمّ شمل العائلة مساء»، بحسب فاطمة من بلدة حزرتا البقاعية.
أما «دفّاية» الكهرباء، فباتت «خارج البحث» لدى الغالبية العظمى، مع غياب الكهرباء وارتفاع فواتير المولد الخاص. إذ تسدد رانيا في بكفيا (المتن) 350 دولاراً شهريّاً لقاء إشعال مدفئة الكهرباء في ساعات المساء «لأنني أعاني من ضيق تنفّس ولا أتحمّل دفّاية الغاز». والأخيرة لا تزال خياراً في المناطق الساحلية، ولكن وفقاً لـ«طرق مدروسة» حتى «تضاين» جرة الغاز أطول مدّة ممكنة، ناهيك عن خيارات توفيرية أخرى للتدفئة مثل «الفحم الدق»، وهو كسر الفحم الذي يتميّز بوهج قوي وبرائحة مؤذية جداً قد تتسبّب في الاختناق!