فادي العبد الله لـ"المدن": مشكلة النقد الموسيقى في موقعه
2024-01-27 15:25:39
أصدر الشاعر والناقد الموسيقى، فادي العبدالله، كتابه الجديد "في إثر الغواية: عن الموسيقى والنقد"، عن الكتب خان في مصر، وهو ثمرة سنوات من الكتابة، تتطرق إلى جوانب متعدّدة في الموسيقى ونقدها، بدءاً من تأسيس الهويات الموسيقية، مروراً بمراحلها الطربية الكلثومية وغيرها ومرحها من بليغ حمدي إلى حميدي الشاعري، هي رحلة خلف "غواية الفن الكبرى" في محاولة للفهم والتأمل وكشف اللثام عن أساطير مكرّسة يفككها بحثا عن جوهر الحقيقة... مواضيع كثير يطرحها الكتاب، هنا حوارية حول بعض عناوينه.- كتابك الصادر حديثاً عن "الكتب خان" في مصر، "في إثر الغواية: عن الموسيقى والنقد"، هو تجميع مقالات وأبحاث نُشرت في دوريات وصحف ومواقع الكترونية على مدى سنوات، عندما قررت نشرها في كتاب، أعدت صوغ بعض أفكارها، أم أبقيتها كما هي وثيقة زمنية؟ هل المراحل الزمنية تبدل من أفكارك أم تعدّل؟لا شك أن مرور الزمن والتجربة والقراءات والنقاشات والتعلم المستمر تغيّر كثيراً في أفكار الإنسان. وأظن أن أكبر دليل على مثل هذا التغيّر هو الحذف، وليس التعديل، فقد قررت ألا أضم إلى الكتاب ـ وهو أول كتاب منفرد لي في موضوع الموسيقى (وقد شاركت وأشرفتُ على كتاب بالفرنسية، كما ساهمت كتابة في كتبٍ أخرى) ـ عدداً كبيراً من المقالات التي نشرتها منذ بدأت الكتابة سنة 1995 حتى اليوم، بل وحتى آخر لحظة قبل الاستقرار على الشكل النهائي للكتاب جرى حذف فصل ومقالات بما يقرب من خمس الكتاب.ما أثبته لم أجرِ فيه إلا تعديلات بسيطة، كتصحيح معلومة أو خطأ أو توضيح جملة غير واضحة الصياغة، فضلاً عن إثبات النص الأصلي له وليس النص الذي قد يكون مجتزأً حين نُشر في الصحافة في حينه.أي إن بعض "التعديل" في الأفكار كان من خلال الاختيارات التي حسمت في النهاية لصالح تسلسل معين أزعم أن فيه قدراً من الاتساق، ومن الدراسات التي تتبدى بذور أفكارها ربما في مقالات أسبق وارتأيت أن من النزاهة الفكرية وربما من المتعة أيضاً أن أعرض كيف نمت تلك البذور حتى وصلت إلى مرحلتها الحالية. وكما ذكرت في مقدمة الكتاب فإني لا أستبعد، إن كانت له طبعات لاحقة، أن يزيد المحو ويقلّ الإثبات.في ما أثبته الآن، أظن، سلسلة من المقالات والأفكار التي تنطلق أحياناً من شخصيات محددة (سواء تعلق الأمر بسيد درويش أو ببليغ حمدي، بالرحابنة أو بحميد الشاعري) وأحياناً أخرى من مسائل ذات طابع نظري أكثر (كالتعبير في الموسيقى أو الترميم)، لكنها جميعاً في تقديري ترتبط آخر الأمر بمسألة انعكاس الموسيقى في تصورات المجتمع وانعكاس المجتمع (بصراعاته وأفكاره وتقانته وسياساته) في نسيج الموسيقى. وهي في رأيي المسألة الأساسية في مجال النقد الموسيقي، وهي ايضاً ما استدعى "نقد النقد" الموسيقي لكشط ما تراكم من أوهام وأخطاء وأساطير من أجل إفساح المجال أمام رؤية نقدية تتجاوز التأريخ والحكايات الشخصية.- عُرفت أم كلثوم بألقاب كثيرة ومختلفة، وهي تدرجت في الاعلانات والصحف، في البداية "الآنسة أم كلثوم"، وفي الكواليس كانت "الشيخة"، وفي مرحلة صارت "الست" و"سيدة الغنائي العربي" و"كوكب الشرق" وحتى "الهرم الرابع" و"الديفا"، هل اختيارك العنوان يرتبط بمرحلة من حياة أم كلثوم؟اختيار عنوان المقال الذي تشير إليه كان مرتبطاً برغبة التوقف عند أم كلثوم في مرحلة ما قبل التكريس النهائي وتحولها إلى "سيدة"، أي تلك المرحلة الانتقالية ما بعد كونها "شيخة" قادمة من الأرياف وقبل تحولها إلى "كوكب الشرق" و"الهرم الرابع" وما إلى ذلك. ففي تلك المرحلة من حياتها، مرحلة "الآنسة" والطقاطيق وبدايات الشهرة والتجديد الهائل في الموسيقى لا سيما مع القصبجي وتطوير تقنياتها الصوتية وأسلوبها الخاص واستيعابها قوالب الدور والمونولوج وصولاً ربما إلى بداياتها السينمائية، مساحة خصبة جداً للتأمل والتفكير في كيفية تكوين هذه المسيرة، وكيف أن أساليب التدريب والتنشئة وظروف المجتمع وأدوات التسجيل وأماكن صناعة واستهلاك الموسيقى تنعكس على نسيج الموسيقى نفسه، رداً على افتراض أن أم كلثوم أسطورة متعالية على التاريخ.- تقول: "بحجة الأصالة، أقفلنا باب الطرب، بعد أم كلثوم، التي اختارت لنا ذائقتها ما شكّل ذائقتنا لاحقاً، وأقفلنا باب العزف "الشرقي" وغير الاستعراضي بعد رياض السنباطي... وقبعنا لا نستطيع أن ننظر إلى ما قبلهما، ولا أن نتقدّم خطوة إلى الأمام". هل يمكن توضيح هذا الكلام؟".. وتقول أيضاً: "وكأن أم كلثوم كانت خاتمة المطربين بعد أن استجمعت ذوقاً وقدرات كل موارد هذا الفن العظيم". هل هي خاتمة بسبب التحولات الميديائية وحتى السياسية والاجتماعية، أم للسبب الذي ذكرته؟أحسب أن القولين متكاملين. أم كلثوم خاتمة المطربين لأن أحداً لم يملك مثلها (ومثل عبد الوهاب في سياق آخر) الجمع بين الاكتمال التقني لناحية النشأة والتدريب والقدرات الصوتية، وبين الذوق الشخصي المتلائم مع عصره والقادر على فرض شخصيته على كل اللاحقين. وهي أيضاً خاتمة المطربين لأننا حصرنا الطرب في فكرة معينة عن الأصالة، وهذه طبعاً علامة على موقف اجتماعي ينظر بعين الحنين إلى الماضي ويفرض عليه صورة واحدة لا تتغير، وربما يختبئ وراءها خوفاً من تحولات الحاضر. فلو كنا نقبل أن للطرب والغناء صوراً وأشكال متعددة لما كان بالإمكان حصرها في شخصيات معينة ولكان بإمكاننا أن نشهد استمرار حياة هذا النوع من الفن ومن الموسيقى بدل انحداره المشهود.- ألا تلاحظ أن هناك مغالاة دائمة في المقارنة بين صباح وفيروز، بين فردية الأولى وهوية الثانية، الا تعتقد أن الافراط في الحديث عن هوية فيروز يتعلق بشأن ثقافي لبنانوي قبل أن يكون سياسياً، فهناك كم هائل من المديح الثقافي والشعري لفيروز إلى درجة "العبادة" و"الحب بإرهاب"، وأحد الشعراء لا يتردّد بالاعتراف بأنه كان يخصص مقالات ضد صباح، ورئيس تحرير مجلة فنية كان يكتب مديحاً لها لكنه لا يتجرأ على وضع اسمه على مقالاته عنها كأنه مثل كثر يعيشون نوعاً من "الحبّ السري" لها، ربما كانت بداية المقالات الثقافية عنها قبل رحيلها، كانت مع محمد أبي سمرا وحازم صاغية الذي مدحها باعتبارها مهنية، بالطبع مع موقف سلبي له من تجربة فيروز، ولكن من بعد رحيل صباح، كُتبت مقالات كثيرة عنها.لا أعلم ما المقصود بالضبط بـ"هوية" فيروز في هذا السياق. شخصياً، أظن أن لا مغالاة في المقارنة بين النجمتين، وقد كتبت في ذلك مرتين. أولاً بالنظر إلى حجم شعبيتهما داخل وخارج لبنان وعملهما المسرحي في لبنان (بل وحلول صباح محل فيروز الحامل في احدى السنوات). ذلك أن المقارنة تسمح بابراز عوامل المشابهة وعوامل الافتراق على الصعد المختلفة الشخصية والفنية.في هذا الإطار بالضبط يمكن المقارنة بينهما، وبين مزاجيهما فنياً (ولست معنياً بالمقارنة بينهما لجهة الحياة الشخصية). ومثل هذه المقارنة برأيي تظهر فردية مشروع صباح في حين أن فيروز لفترة طويلة كانت جزءً أساسياً من مشروع أكبر، حمل على عاتقه مهمة تشكيل هوية فنية للبنان، في وقتٍ كانت فيه صباح نجمة كبيرة في مصر. وفي هذا الإطار أيضاً يظهر تعقيد المشروع الرحباني (دمج مصادر موسيقية مختلفة، التعامل مع "الشعر اللبناني" الحديث ورمزيته، الشغل على المسرح وثيماته) في مقابل الحيوية والظرف والخفة والبساطة في اختيارات صباح اللبنانية. الرحابنة مشروع فني وسياسي ولا يمكن اعتبار تناوله تناولاً ثقافياً من دون التوقف عند تركيبته السياسية، بما في ذلك أصداؤه في دمشق وفلسطين والشام عموماً، على ما عرضت في احدى مقالات الكتاب.- ما المقصود بمزاج الستينات اللبناني الذي تقول أنه دمر، ففازت فيروز على صباح؟ ألا ترى أنّ صباح كانت أيضاً ابنة النظام اللبناني، بغض النظر عن التفسير الاجتماعي السائد لشخصيهتا أو شخصية فيروز، فهي كانت محبوبة الرئيس كميل شمعون، ومقربة من بعض الرؤساء، وحاضرة دائمة في البرامج التلفزيونية؟صباح كانت أولاً وقبل كل شيء آخر نجمة سينمائية بدأت وكانت قاصراً في القاهرة وتربت فنياً على أيدي كبار الملحنين فيها، وإن لم تنس الخصوصيات الجبلية والشامية التي تتبدى في بعض انتاجها اللاحق. فهي لم تكن من صنع لبناني خالص، حتى وإن تزايد حضورها في لبنان الستينيات، أي بعد نحو عقدين على بدء نجوميتها في السينما.عندما كانت صباح تحضر في لبنان في الستينيات، على ما أحسب، كانت نموذجاً على مزاج مغاير ربما لما سيصيره تصورنا اللاحق عن فيروز. الستينيات كانت فترة ازدهار اقتصادي وانفتاح اجتماعي في لبنان، وكانت صباح الجميلة والوجه السينمائي "المصري" تعبيراً عن كل ذلك، عن التفاؤل، وأيضاً عن الطابع المتجاوز للحدود اللبنانية بل للمشرق العربي نفسه، وعن حضور بصري طاغٍ، وعن خفّة في الإقبال على الحياة، لا تتوقف طويلاً لا عند مسائل الصراع في فلسطين ولا عند المسائل الميتافيزيقية والسياسية و"الهوياتية" (صياغة هوية جامعة للبلد) مما يعج به انتاج الرحابنة. هذه الخفة والانطلاقة المندفعة نحو الحياة ما كان لها أن تنتصر في ظل الحرب، حتى وإن كانت ملجأ للبعض أثناءها. فالغالب كان "الأم الحزينة" والسؤال عن "البلد" بشماله وجنوبه وسهله!- إذا قلناً إن نجاح سلام "بيروتية" من الناحية الاجتماعية، وهي تمرّدت على بيروتيتها في أكثر من مكان، ولكن هل هي بيروتية فعلاً في فنّها (وما القصد بكلمة بيروتية في هذا المجال)، أم هي صاحبة مهنة مثل كل المطربات، تغني وتقدّم حيث يستهلك انتاجها، وهي أقرب إلى أن تكون مصرية وحتى ناصرية ولقبت بـ"صوت العروبة"، وبمرحلة غنت لسوريا وغنت لصدام؟ في مقالي عن نجاح سلام ذكرت أن لها وجوهاً كثيرة، لكني توقفت عند وجهها البيروتي، الذي هو مزيج من التأثيرات. فهنالك المحافظة الاجتماعية (التي ربما وضعت حدوداً لما يمكن لها أن تكونه سينمائياً) والمحافظة الفنية التي منعتها من التجريب الموسيقي وبناء مشروع خاص بها، وهنالك الموروث الموسيقي في الساحل الذي تنتمي إليه (وهو موروث مصري قاهري، بدرجة أعلى بكثير من علاقته بالموروث الجبلي اللبناني، وهذا يتبدى حين أدت الغناء الجبلي وفي اختيارات العرب والزخرفات التي تستعملها) وهنالك التوجهات "السياسية" للعائلات البيروتية المسلمة وما يعني ذلك من علاقات مع الخليج ومع "العروبة" في مقابل التحفظ البيروتي المسلم عموماً على مشروع لبناني شديد الخصوصية يحاول بناء هويته الجامعة (التي لم تنتمٍ إليها)، وفي هذا الإطار نفهم ملاحظة سمير قصير عن المدينة التي كانت تتبنى دوماً قضايا الآخرين (ومن هنا أيضاً غناء نجاح سلام للآخرين وللبلدان الأخرى ولملحنيها المتنوعين). كان يمكن لنجاح سلام أن تختار لوناً واحداً وتستمر عليه، أو أن تختار توجهاً واحداً، كان يمكنها أن تكون "لبنانية" فحسب، لكنها كانت بيروتية بكل المعاني التي كانت تنطوي عليها آنذاك تلك المدينة الواقعة على تقاطعات كل خطوط الزلازل في المنطقة.- في رأيك، ما المشكلات التي تحول دون انتشار النقد الموسيقي؟لا أرى مشكلة النقد الموسيقي في "الانتشار". فهنالك مساحات ممكنة، على الانترنت بالطبع بعد تقلص بل اندثار معظم المساحة الثقافية التي كانت في الصحافة، وهنالك مساحات لم تزل غير مستخدمة بعد (كالفيديو بدل المكتوب)، وهنالك مواقع متخصصة ولقاءات وندوات وأمكنة يمكن للنقد الموسيقي أن ينتشر فيها. المشكلة الأساسية في رأيي تتعلق أولاً بموقع النقد الموسيقي. ما أحسب أنه صعب، بعد ما يقترب حثيثاً من الثلاثين عاماً من الكتابة، هو خلق موقع للنقد يكون مختلفاً ومتجاوزاً لما تعود عليه الناس على أنه الكتابة "حول" الموسيقى. أي تلك الأنواع المتأرجحة بين الكتابة الشعرية "عن" الموسيقى والانطباعات المتولدة عنها في نفس المتلقي، وبين الكتابة المشغولة بالتأريخ (أو ربما بالنميمة والقصص الشخصية)، وبين الكتابة المتعالية المتحذلقة تحت شعار الأكاديمية، وبين توزيع العلامات على طريقة لجنة تحكيم برنامج تلفزيوني على هذا المغني أو ذاك وهذه الأغنية أو تلك، وبين الكتابة التي تقتصر من الموسيقى على كلمات الأغاني سلباً وإيجاباً أو على جمال المغنية أو نجاح طبيب تجميلها.كما ذكرت لك من قبل، أظن أن النقطة المحورية للنقد (إلى جانب نقاط أخرى اتناولها في مقالة "نقد النقد في بلاد العرب") هي رؤية تعالق الموسيقى والمجتمع. المجتمع بكل جوانبه ومتغيراته، سياسة وتقنية واقتصاداً واجتماعاً وتنظيماً وحريات، والموسيقى في نسيجها وتوزيعها وأماكن انتاجها واستهلاكها وليس فقط في حيوات المغنين والمغنيات. مثل هذه الرؤية تساعد على الفهم، وقد تدل على الجوانب الهامة في انتاجٍ موسيقيّ ما، وقد تدل على الجديد (وربما البديع من وجهة نظر الناقد) لكنها ليست معنية بإنجاح أو إسقاط الموسيقيين والمغنين في الامتحان! والنقطة الثانية هي ربما أن النقد عمل ميلانخولي بعض الشيء وفصامي أيضاً، عمل الدفاع عن ذائقات شخصية وجماليات لا نود أن نرى موتها مع علمنا الكامل بل ودعمنا لحتمية التغيير وإن كانت وجهته غير محتومة. في دراسة فيروز كراوية وجدتُ تدقيقاً معمقاً، وباستخدام تقنيات وزوايا رؤية متنوعة، في هذه المسألة بالضبط، أي في أن وجهة التغيير لم تكن حتمية بل كانت نتاج تفاوض بين الواقع والسلطات (وليس السياسية فقط) والفنانين الأذكياء القادرين على التقاط لحظات التغير والدفع في الاتجاه الذي يريدون.بهذه المناسبة، أرى في كتاب فيروز كراوية الأخير "كل ده كان ليه"، وعدد من الكتب وكذلك المقالات الأخرى لكتّاب لم يصدروها بعد في كتبٍ، علاماتٍ على حيوية في النقد الموسيقي بالمعنى الذي أقصده وأحبه، ولعلها ستسمح بإيصال النقد في هذا المعنى بشكل أوسع إلى الجمهور المعني بهذه المسائل.- ما الذي تعتبره غائباً عن كتابك، لناحية الأسماء والمواضيع؟يغيب عن الكتاب كل الكتب وكل المقالات التي لم ـ وربما لن ـ أنجزها بعد.طبيعة الكتاب التي حرصت عليها، أي طبيعته كجمع للمقالات (شاهدة عليّ وعلى زمنها وعلى تطورات الأفكار)، تمنعني من إدعاء الشمول ومن طموح الموسوعية. ربما وددت لو سنحت الظروف لتناول أسماء أخرى في بعض الفصول (مثل فيلمون وهبه، سعيد الشرايبي، عبده داغر.. إلى جانب آخرين كثر). كذلك ربما كنت لاهتم بالتعمق في مسألة "تأثير" الموسيقى كمجالٍ بحثيّ مبني على رفضي كونها "تعبيراً" (أي الوقوف عند كيفية تأثير الموسيقى في المتلقي بدل التركيز، الممل وغير المجدي والخاطئ في تقديري، على كونها تعبيراً عن الحالة النفسية للمؤلف أو عن كلمات الشاعر). لكن المجال الذي اركز عليه الآن قد ابتعد بي كثيراً عنهم.ولعلي أعود يوماً ما إلى ذلك كله بعد أن أنجز ما أعكف عليه من سنين، وهو دراسة تطور نظريات الموسيقى عند العرب (وقد نشرتُ عدداً من المقالات في هذا الشأن في السنة الماضية)، أي الأسس التي بُنِيَ عليها ما وصلنا من موروث موسيقي (هنا أيضاً طرد الأوهام ضرورة)، ودراسة الموشحات المغناة (مع الصديق عمرو البرجيسي)، وهي الموروث الأهم، وأسرار جمالياتها.الكتاب كما هو، ومن عنوانه، سعي وراء الغواية، غواية الموسيقى لنا والغواية بالمعنى المصري العامي القديم لها (العشق أو "الغيّة" أو الهواية المسيطرة على المخيلة). في هذا السعي وراء "فراشة العزلات" (بسام حجار) تنقل حثيث بين مواضيع متعددة ولا بد أن يكون هنالك الكثير مما لم أتناوله، لكنه ربما يكون مضمراً في طيّ الكلام مثل إضمار الهارموني في جملة نغمية تضن بالبوح بكل إحتمالاتها.
وكالات