غزة او “القوة” باللغات السامية القديمة، و”غزاتو” أي المدينة المميزة بحسب ما اطلق عليها المصريون لا تزال صامدة بعد ثلاثة اشهر من حرب ابادة دمرتها شارعاً بشارع وحياً بحيّ، لكنها لم تتمكن من ابادة كرامة شعبها وقدرة مقاومتها وصمود اهلها فيما في المقابل يعيش العدو الاسرائيلي الممتلك لاحداث الاسلحة والتقنيات الحربية الجديدة حالة انهزام واضحة رغم بطشه واستخدامه القوة المفرطة لتغطية هزيمته.. اذ بات شعبه يعيش على المهدئات ويرتعد خوفاً من استمرار الحرب ويندد بسياسات حكومته برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يقول انها فشلت في الدفاع عن امن اسرائيل كما فشلت في تحقيق الاهداف التي وضعتها اثر عملية طوفان الاقصى من تحرير اسراها الى السيطرة على القطاع.
كما بدأت دول العالم المنحازة لاسرائيل تتململ من استمرار الحرب بثمنها الغالي وعدم جدواها بتحقيق ما هو مخطط له من افراغ غزة من اهلها والقضاء على حركة حماس.
اذاً، لماذا يصر نتنياهو على مواصلة حربه في غزة رغم الضغوط داخلياً وخارجياً؟.
سؤال تسهل الاجابة عليه لان انتهاء الحرب سيؤدي الى فقدان نتنياهو لمنصبه وبالتالي سيدخل الى السجن بتهم وجهت اليه قبل السابع من تشرين الاول وهي الاحتيال وخيانة الامانة والرشوة، فيما بعد هذا التاريخ سيحاكم بتهم اخرى ابرزها الفشل والتخلي عن الاسرى وكسر صورة الجيش الذي لا يقهر.
من المؤكد ان نتنياهو يتحمل مسؤولية الفشل الذريع ولكن ليس وحده بل فريقه السياسي بالكامل لانه ما من خطوة تم اتخاذها بعد السابع من تشرين الاول تمكنت من تحقيق اهدافها اذ لم يتم تحرير الاسرى كما لم يتم القضاء على حماس اما كل ما تم حتى الساعة فهو محاولة ابادة شعب وقضية وتدمير كامل وممنهج لغزة من اجل رفع شعبية نتنياهو المنهارة اساساً بفعل التهم المطلوب للتحقيق فيها.
اطول فترة لرئيس وزراء اسرائيلي في منصبه هي لنتنياهو الذي سيسجل التاريخ انه على ايامه انقسمت اسرائيل على نفسها بين مؤيد ومعارض للحرب، وعلى ايامه قتل اسرائيليون بنيران صديقة، وعلى ايامه وضعت اهداف غير قابلة للتحقيق.
ما الذي يدفع نتنياهو الى الاستمرار بالحرب؟ يقول خبير استراتيجي ل ان الهدف الاساسي هو البقاء في منصبه اذ في زمن الحروب لا يُطاح بالحاكم ولا يتم تبديله، اما السبب الثاني فهو محاولة تحقيق صيد ثمين سواء عبر استهداف قياديين في حماس واغتيالهم او القضاء على حماس نهائيا او ربما عبر فتح جبهة جنوب لبنان او عبر تحقيق انتصار ما في غزة لترميم صورة الردع الاسرائيلي.
نتنياهو لم يتمكن حتى الساعة من تحقيق اي من الاهداف التي وضعها وبات عبئاً على اصدقائه وحلفائه ايضاً الذين يرغبون بحصول تسوية تعيد الامن الى المنطقة فيما هذه التسوية لا تزال بعيدة بفعل فن المماطلة الذي يتقنه لكنه لا يأخذ بعين الاعتبار ان حربه على غزة ادت الى الوصول الى جيل من الايتام والمظلومين سيشكلون مشروع شهداء احياء يُحسب لهم الف حساب بعدما عانوه وعاينوه من قصف وقتل ودمار وتجويع وماتت، مع ما شاهدوه وعاشوه، طفولتهم الى الابد.