2024- 05 - 03   |   بحث في الموقع  
logo من “قوى الأمن”.. بيان هام للبقاء في أمان عبر الإنترنت logo وفد من “جمعيّة الإرشاد والإصلاح” زار فتفت لتهنئته بانتخابه نقيبًا لمُهندسي طرابلس logo بعد "تحقيق وتحليل"... العثور على جثة مختطَف لدى حماس! logo "ضامنٌ لاتفاق الهدنة"... حماس تطالب بوجود تركيا! logo تفاهم نيسان بحلة جديدة ونكهة إيرانية... الورقة الفرنسية سقطت؟! logo قنابل موقوتة تهدد حياة المئات وتنتشر بكثرة في لبنان... جرس إنذار قبل فوات الأوان! logo نائب "التيار" يرفض الرشوة الأوروبية... تمويل العودة يُربح الجميع! logo "حبيبي ورفيق دربي"... أبو زيد ينعي رئيس مجلس إدارة "OMT"!
محمد خضير..انفتاح العنوان في محنة الكتابة القصصية
2023-12-10 07:30:41



(*) في الجلسة المخصّصة لنبيل جميل (اتحاد أدباء البصرة، السبت، 2 كانون الأول) استطرد القاصّ المخصوص بالحديث عن تجربة كتابة القصة القصيرة، إلى شأن عام يتعلق بموضوع "محنة الكتابة" ومعاناة الكاتب، في ظروف سياسية واجتماعية قاهرة يعرفها أصدقاءُ الكاتب المقرّبين، وآخرون ممن حضروا الجلسة، كتّاباً أو قراء، مُمتَحَنين خصوصاً بما امتُحِنَ به، او غير مكترثين كثيراً بمحنته.
لكنّني، وتقديراً لتجربة نبيل جميل، تمنّيتُ لو اتجه حديث القاصّ إلى جانب مفصليّ من تلك "المحنة" لا يداخله شيء خارجي من غير وعيه بالكتابة واحتساب مخاطرها، وتحدِّد نوعَه ودرجة خطورتِه الممارسةُ القصصية وحدها، من غير إدعاء او مواربة حقيقية أو مجازية. فما قيمة كتابة من غير محنة أو معاناة، مختزَنة في الأعماق_ وهذا ما أجمعت عليه الجلسة واتفقت بشأنه_ وما أقْيَمَ قصة تنثر حولها أو في نهايتها مشكلاتٍ عميقة وخطيرة من جنس موضوعتها المحبوكة في مصهر الانفعالات الداخلي!
بهذا الاتجاه، شعرتُ شعوراً خاصاً، بأن انتقال نبيل جميل من مفصل سرديّ خطير إلى آخر بعده، زاخرٍ بالمحنة والمعاناة، يرتبط على وجه الخصوص بوعي فنّي لدور "العنونة" الرئيسة في كشف الأغطية الثقيلة عن مرحلة الحرب، وتفصيل حالات التشرّد في المدينة المخرَّبة، واختيار شخصيات من نمط فريد. (**)
انطلق نبيل جميل من ذاكرة سردية موحِلة، هي ذاكرة الحرب، في أهمّ مجموعاته القصصية "فتى الحروب،2016". وكانت تلك الذاكرة مُحتَجِبة في بؤرة داكنة تحت غطاء سميك من العنوانات الدالّة على صور الاندحار واليأس والركود العاطفي. بهذه النسبة الثابتة بين العنوان ودلالته الظرفية على مراحل قاسية ومنهِكة للنفس والشعور_ مثل مرحلة الأيديولوجيا الفاشية العسكرية_ حاول الكاتب نبيل جميل التخلّص من انغرازه في بؤرة ساخنة، حتى بعد برودتها وتحوّلها إلى ذكرى تتراجع للوراء، لتحتلّ مكانها قصصٌ مفتوحة على تخوم جديدة من تجربة الكاتب السردية، تأتي في مقدمتها مجموعتُه القصصية الجديدة ذات العنوان المشرق (نجلاء، 2023).
يشكّل هذا العنوان الأنثوي، بمفردته الوحيدة، الحادّة كنصل شعاعٍ زمن جديد، دليلاً درامياً لانقلاب الوعي الذاتي، ومحركاً عاطفياً يزيل بسطوعه عتمة العنوانات المركبة السابقة لمجموعاته القصصية ورواياته. خرج الفتى المقيَّد برؤى الجنوب الوخيمة_ كما قد يشير عنوان مجموعته الأخرى (في اتجاه الجنوب البعيد، 2021)_ إلى فضاء أرحب من الثيمات والأبنية وفضاءات التخيّل السردية. لقد انتهى زمن "المزرعة" والتجوال في شوارع المدينة الفاشيّة، وبرزت للعيان ألوانٌ من أطياف كانت طيّ الخوف والكتمان، ومنها طيف المرأة المستلَبة في أماكن نائية من العراق (الموصل وسنجار).
كان "فتى الحروب"_ فيما سبق_ راوياّ لفترة موحِلة من تاريخ العراق، وقد شرَطَ الواقعُ الفاجع عليه حدّاً لا يسمح له بتجاوزه، وارتقاءً يتجه دوماً إلى الأسفل (مجموعته: الصعود إلى الأسفل، 2010). وبهذين الاتجاهين_ الأفقي والعمودي_ غرقت قصصُه في وحل البقعة الداكنة، ورؤاها المعتمة، مغلَّفةً بالكآبة والاندحار العاطفي والاجتماعي. وكانت وخامة الهواء قد ملأت رئتيه بشعور الاختناق. لذا كانت الخطوة التالية لفتى الحروب قد بدأت بفكّ العلاقة الدلالية بين العنوان الرئيس ونصّه الداخلي، فراح يقتلع المسامير، ويكسر أغلال الأسلوب، ويجدد هواء السرد_ وليست العنوانات غير فرضيّاتٍ لتجاوز واقعٍ منهِك هيمنت عليه مناظر القسوة والكدَر والمحدودية العاطفية.
أغلب كتّاب العراق المعاصرين_ فتيان الحروب_ كانوا قد غرقوا في مستنقع تلك الفترة الداكنة، وكان تخلّصهم من وخامتها قد شكّل تجربة عميقة التأثير في سرد المرحلة الجديدة_ مرحلة ما بعد التغيير في 2003. قرأنا هذا الخلاص الذاتي من بقعة الحرب في نصوص صادمة، أنجزها مؤلِّفو ما بعد القطيعة والتغيير برؤى متحرّرة من قيود اللغة والأيديولوجيا والتاريخ؛ وأضيفُ إليهم اليوم نبيل جميل، الذي بدأ بتفكيك عنوانات مرحلته السابقة_ مرحلة البقعة الداكنة للحرب_ واقتراح أغطية تتسم بالشفافية والكشف الوجداني عن حالات المكوث في مكان ضيق وشائك، مدّة طويلة.
______________________________ (*) مدونة نشرها القاص محمد خضير في صفحته الفايسبوكية
(*) استعنت على تحديد هذا الجانب من المحنة أو المعاناة بحضور رجل العنوان_ محمود عبد الوهاب_ الذي تحل ذكرى وفاته الثانية عشرة في هذه الأيام.





ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top