هل هو المزاد الأخير على سندات الخزينة السورية؟
2023-11-26 08:40:16
يحتوي تعليق وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، الخاص بنتائج المزاد الرابع على سندات الخزينة لعام 2023، على مبالغة مجازية. فهي ليست "المرة الألف"، التي تفشل فيها وزارة المالية السورية في جمع المبلغ المستهدف. لكن التراجع في نسبة تغطية المبالغ المستهدفة، في الإصدارين الأخيرين، يتطلب وقفة مطوّلة.
ففي الإصدار الأخير، الذي فُضّت عروضه قبل أيام، كانت نسبة التغطية للمبلغ المستهدف من الإصدار (200 مليار ليرة سورية)، لا تتجاوز الـ 50%. فيما كان حجم الإصدار النهائي 65.5 مليار ليرة، أي نحو 32.5% من الرقم المستهدف أساساً. أما في الإصدار السابق لهذا الأخير، والذي أُعلنت نتائجه في نهاية شهر آب/أغسطس المنصرم، فكانت نسبة التغطية 48% فقط.
وكما أشارت وزيرة الاقتصاد السابقة، فهذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها وزارة المالية في الوصول للمبالغ المستهدفة من إصدارات سندات الخزينة. لكن تراجع نسبة التغطية، يزداد، إصداراً تلو الآخر. ففي الإصدار الثاني لهذا العام، في أيار/مايو المنصرم، كانت نسبة تغطية العروض للمبلغ المستهدف 64.5%. أما في الإصدار الأول لهذا العام، فكانت نسبة التغطية 72%.
وبالعودة إلى العام 2022، الذي شهد ثلاثة إصدارات لسندات الخزينة، كانت نسبة التغطية 74.25% في الإصدار الأول، و75.86% في الثاني، و72.50% في الثالث.
أما بالعودة للعام 2020، والذي شهد إصدارين لسندات الخزينة. فقد كانت نسبة التغطية في الإصدار الأول 99%. فيما كانت النسبة في الإصدار الثاني 106.3%.
لكن، كيف نفهم الأرقام السابقة؟ للإجابة، يجب التوضيح بدايةً، أن سندات الخزينة السورية، أداة استثمارية خاسرة، خسارة محققة. ولا يوجد عاقل، بالمعنى الاقتصادي، يُقدم على شرائها. لنأخذ مثالاً، في الإصدار الأول، لعام 2020، والذي كان بقيمة 148.5 مليار ليرة، بنسبة عائد 6.7%، لأجل سنتين. إذ حين إجراء المزاد، كان "دولار دمشق" قرب 1070 ليرة. وحين حلول الاستحقاق في شباط/فبراير 2022، كان "دولار دمشق" قرب 3635 ليرة. أي، وبالاستناد إلى معيار سعر الصرف، كانت القيمة الحقيقية للإصدار الأول، 138.78 مليون دولار، حين جمعه. لكن حين تسديده، ومع العائد المُعتمد، كانت القيمة الحقيقية، 43.58 مليون دولار. أي أن "المستثمرين" في سندات الخزينة السورية خسروا قيمة حقيقية من أموالهم، 95.2 مليون دولار. بنسبة خسارة نحو 69%. هذا الواقع، ينطبق على كل الإصدارات التالية من سندات الخزينة السورية، مع اختلاف بالنسب. وإذا استندنا إلى مؤشر التضخم، فلن يختلف الأمر كثيراً.
بطبيعة الحال، فإن المتقدمين إلى عروض بيع سندات الخزينة السورية، يعلمون هذا الواقع، جيداً. وكما بات معلوماً، فالمشترون هم المصارف الحكومية والخاصة، التي تتعرض لضغوط من جانب النظام، كي تقرض خزينته، من إيداعات عملائها، بغية تمويل جانبٍ من العجز في الموازنة. وهي قروض خاسرة، على حساب إيداعات السوريين. والسوريون يعلمون ذلك جيداً، لكنهم مضطرون لإيداع جانب من أموالهم، قسراً، بموجب تعميمات وقوانين، تفرض عليهم ذلك، خلال تنفيذ أي عملية بيع قانونية لعقار أو سيارة. إلى جانب التعميمات الخاصة بإيداعات التجار والصناعيين، الإجبارية، لتنفيذ صفقاتهم بصورة قانونية. والتعميمات الأخرى الخاصة بسقوف السحب النقدي، التي لا تسمح للمودع بسحب كامل أمواله، إلا بشروط وتفاصيل معقّدة. وبذلك، أصبح لدى المصارف سيولة فائضة، يستغل النظام جانباً منها، في تمويل خزينته، مقابل خسارة السوريين لجانب كبير من القيمة الحقيقية لتلك السيولة.
وخلال العام 2020، كان النظام قد اختبر هذه الأداة الاحتيالية في تمويل عجز الموازنة لديه، لأول مرة بعد انقطاعٍ دام عشر سنوات. وقد نجح هذا الاختبار بشكل كبير، إذ تم تغطية المبالغ المستهدفة، بنسبة تجاوزت الـ 100% وسطياً. لكن في العام التالي، 2021، امتنع النظام عن إصدار سندات خزينة جديدة. ولم يصدر تصريح يوضح ذلك. مما يمكنه تأويله، بأنه مقاومة من جانب مجالس إدارة المصارف، في ضوء الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة السورية، خلال العام 2020، بنسبة 211%، وما يعنيه ذلك من تحقق خسارة أكيدة، في قِيم المبالغ المدفوعة لشراء سندات الخزينة. وقد دفع ذلك صانع القرار الاقتصادي، للتريث في تكرار هذه العملية الاحتيالية، خشية ارتداداتها على الثقة بالقطاع المصرفي السوري.
لكن مقاومة المصارف، تم تطويعها جزئياً، خلال العام 2022. وضرب صانع القرار، الثقة الضرورية في المصارف السورية، بعرض الحائط. وإن شهد ذاك العام تراجعاً في قدرة وزارة المالية السورية على تغطية المبالغ المستهدفة، لتتراوح النسبة وسطياً، قرب 75%، لكنها نجحت في جمع أكثر من 300 مليار ليرة سورية، هي أشبه بالسرقة المباشرة من إيداعات السوريين الإجبارية. وفي العام الحالي، تراجعت قدرة المالية السورية على تغطية المبالغ المستهدفة لتهوي إلى النصف ومن ثم إلى نحو الثلث. مما يؤشر إلى مقاومة أكبر من جانب المصارف، التي ينقل مسؤولوها، دون شك، إلى صنّاع القرار في المالية والمركزي السوري، كيف أن السوريين يتحايلون بكل السبل، كي لا يضطروا لإيداع أية مبالغ في المصارف. وربما وصل صنّاع القرار هؤلاء، إلى قناعة، بعبثية الإضرار بالقطاع المصرفي السوري، من أجل جمع مبالغ متواضعة للغاية، مقارنة بعجز الموازنة. أو هذا ما نأمله. وكمثال على ذلك، ففي عام 2022، كان عجز الموازنة نحو 4 تريليون ليرة سورية. تم تمويل أقل من عشره، من سندات الخزينة. وهنا يصبح السؤال: هل سيكون المزاد الذي أُجري قبل أيام، على سندات الخزينة السورية، هو الأخير؟ أم ستواصل حكومة النظام سرقة أموال السوريين في المصارف، جهاراً نهاراً، بذريعة تمويل عجز الموازنة بأدوات لا تؤدي إلى ضغوط تضخمية!
وكالات