بعد شهر ونصف الشهر على عملية طوفان الأقصى التي حققت فيها الفصائل الفلسطينية إنتصارا غير مسبوق على الكيان الصهيوني الغاصب، وبالرغم من العدوان البربري الذي يشنه العدو على قطاع غزة والمجازر اليومية التي يرتكبها بحق الاطفال والنساء والشيوخ، فإن الدماء الفلسطينية وصمود المقاومة يحاصران إسرائيل ويقودانها الى حال من الفوضى والتوترات لا يختلف كثيرا عن حال بعض الدول العربية التي ما تزال تدفع الى الآن ثمن ما سمّي بالربيع العربي.
تكابر إسرائيل ومن يقف خلفها في التعاطي مع الوقائع القائمة على الأرض، وهي ما تزال تعيش حالة إنكار لما حل بها في السابع من أكتوبر ولما واجهته بعد ذلك من فشل على الصعد العسكرية والاستخباراتية والسياسية، وترفض قراءة المشهد بوضوح حيث الصمود الأسطوري في غزة، والمقاومة العنيفة في الضفة، والمواجهات البطولية في الجنوب اللبناني على طول الشريط الحدودي الذي تحول الى زنار من نار يحرق الاسرائيليين كلما إقتربوا منه، والعمليات النوعية في اليمن الذي يستعد لدور أكبر في المرحلة المقبلة.
كل ذلك يضاف الى تفريغ أكثر من ٨٠ مستوطنة في غلاف غزة وفي شمال فلسطين من ساكنيها خوفا من عمليات المقاومة، ونزوح أكثر من ١٧٠ الف مستوطن بإتجاه العمق الاسرائيلي، فيما الصواريخ تنهال يوميا على تل أبيب وعسقلان والنقب وإيلات وغيرها، والسفن الاسرائيلية تتعرض للخطف في البحر الأحمر ما ينذر بتعطيل التجارة البحرية بشكل كامل، فضلا عن ملف الأسرى الضاغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يواجه غضب الأهالي ومحاولات إسقاطه من قبل المعارضة التي توحدت ضده، وإنتقادات حلفائه في اليمين الاسرائيلي، في ظل تنامي الخسائر البشرية والعسكرية والمالية والاقتصادية وتعطل كل أوجه الحياة بشكل لم تعهده إسرائيل من قبل.
إذاً، هو كوكتيل من الفوضى يرخي بثقله على إسرائيل وتعجز عن إدارته، لذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية التي باتت على قناعة بأن إسرائيل فشلت في تحقيق أي إنجاز عسكري أو ميداني في غزة والمعرّضة لمزيد من الخسائر على كل صعيد، تحتاج الى مخرج يحفظ لها ماء وجهها، لذلك فقد أرسلت مبعوثها آموس هوكشتاين مجددا الى فلسطين المحتلة للبحث مع الحكومة الاسرائيلية في آلية إنزالها عن الشجرة من خلال الدفع في ملف الأسرى والافراج عن المدنيين مقابل الهدنة الانسانية لمدة خمسة أيام والتي تصر عليها حماس، وتجد فيها أميركا ضرورة للتخفيف من غضب الرأي العام العالمي الذي يستوطن الشوارع والساحات إحتجاجا على إستمرار العدوان، والانطلاق بمسار الحل السياسي الذي يضع حدا ولو مؤقتا لهذا الصراع.
يبدو أن أميركا ومن لفّ لفّها من المجتمع الدولي قد ضاقوا ذرعا بمسلسل الفشل الاسرائيلي المستمر، خصوصا أن أي قوة لن تستطيع أن تنتشل الكيان الغاصب من المستنقع الذي أوقع نفسه فيه، لذلك فإن الاتجاه للخروج من هذا المأزق قد يكون بحماية إسرائيل من السقوط والتضحية بنتنياهو وإقتياده الى المحاكمة والسجن وربما الى ما هو أكبر من ذلك.