هي المرّة الأولى، ربّما، منذ سنوات التي يكون فيها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط متشائماً إلى هذا الحدّ الذي يذهب فيه متوقعاً ومنتقداً الواقع الداخلي إلى حدود بعيدة، يُعبّر فيه عن خشيته من المجهول الذي ينتظر لبنان وطائفته، والأيّام الصعبة التي قال إنّها أصعب من تلك التي رافقت حصار الجيش الإسرائيلي بيروت واجتياحها في عام 1982.
ففي جولة واسعة قام بها جنبلاط نهاية الأسبوع الماضي على شخصيات ومناطق درزية في الشّوف وجوارها، وعلى خلوات دينية، يرافقه نجله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي تيمور جنبلاط ووفد من الحزب، قام “بيك” المختارة بمحاولة مزدوجة: الأولى تطمين أبناء الطّائفة والإطمئنان عليهم، وأنّه واقف ويقف إلى جانبهم؛ والثانية تحذيرهم من الأيّام المقبلة وما قد تحمله معها من مخاطر، وضرورة إتخاذ الإحتياطات لها.
جنبلاط الذي يُطلق عادة هكذا تحذيرات عند كلّ محطة مفصلية خطرة يمرّ بها لبنان وتشهدها المنطقة، إنّما يفعل ذلك إنطلاقاً من قاعدتين: الأولى أنّه إلتقط عبر “أنتيناته” التي اشتهر بها تحوّلات مقبلة في لبنان والمنطقة تستدعي منه التحرّك مسبقاً خوفاً على زعامته وعلى طائفته معاً؛ والقاعدة الثانية تنبع من خوف الأقليات الذي يتملكه كسواه من قيادات وأبناء الأقليات في لبنان والمنطقة خشية أن تأتي نتائج التحوّلات المتوقعة على حسابهم وعلى موقعهم ومستقبلهم في آن.
بلا مواربة، وصريحاً كعادته أمام أبناء طائفته، قال لهم إنّ “الوضع اليوم قد يكون أصعب بكثير ممّا مررنا به زمن حصار بيروت واجتياحها”، طالباً منهم “التضامن ووحدة الصوت والكلمة”، ومعتبراً أنّ “اليوم خلافاً للماضي، لا نملك أيّ قدرة على التغيير في قرارات الدول، فهي لها حساباتها، ونرى كيف أنّ شعباً بأسره يُضحى به بالرغم من المظاهرات الكبرى خاصّة في الغرب”، في إشارة منه إلى ما يحصل في قطاع غزّة من مجازر يرتكبها الجيش الإسرائيلي في عدوانه، متخوفاً من “إستكمال حصار غزة وتدميرها”.
يبدي جنبلاط تشاؤماً وقلقاً بالغين بما يتعلق بالإستعدادت القائمة للحرب في المنطقة، بما يتجاوز غزّة وصولاً إلى لبنان ودول أخرى، حينما يقول أمام مستقبليه أنّه “عندما نرى الكمّ الهائل من الأساطيل على المرء أن يحسب أنّ شيئاً آتٍ. وعندما تبدأ الحرب ما مِنْ أحد يستطيع أنْ يُمسك بزمام إنتهائها. هذه قاعدة تاريخية”، متمنياً في الوقت نفسه “ألّا نُستدرج إلى الحرب، ولكن إنْ وقعت الواقعة فلا حول ولا قوة”، راداً هذا الإستدراج الذي يجب تجنّبه إلى “الفريق المقاوم وإلى إسرائيل”.
ولأنّ المخاطر التي تهدّد لبنان تعود حسب جنبلاط إلى “غياب الحدّ الأدنى من الوحدة الداخلية والفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، والخلاف على تعيين قائد للجيش”، معتبراً أنّه “كان من الأجدى إنتخاب رئيس أيّاً كان”، قبل أن يخاطب مستقبليه مستنكراً ومتشائماً: “لا أفهم الخلافات لأجل رئاسة جمهورية قد تأتي أو لا تأتي”.
ما قاله جنبلاط طرح تساؤلات حول إنْ كانت قراءاته ومعلوماته و”أنتيناته” إلتقطت معلومات خطيرة حول تطوّرات تنتظر لبنان في مستقبل الأيّام، أم أنّها مجرد تحذيرات دأب الزعيم الدرزي على تردادها كعادته؟.