كل المؤشرات تدل الى أن وقف إطلاق النار والدخول في هدنة إنسانية تسمح بدخول المساعدات والوقود الى غزة بات مسألة أيام قليلة، مع وصول مستشار الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك الى المنطقة حيث سيجول على الدول المعنية للبحث في عملية تبادل الأسرى التي ستعقب قرار وقف إطلاق النار.
يبدو واضحا، أن المهلة التي أعطتها أميركا لاسرائيل لاستعادة هيبتها بتحقيق إنتصار في غزة قد إنتهت بعدما جرى تمديدها عدة مرات ولكن من دون جدوى، مع فشل الاسرائيلي في تقديم أي إنتصار ولو حتى وهميا، خصوصا أن تطورات الميدان أظهرت بما لا يقبل الشك أنه لا يمتلك سوى آلة قتل وتدمير عبر سلاح الجو والذي نجحت المقاومة الفلسطينية في التخفيف من وطأته في الأيام الأخيرة باستدراج العدو الى أطراف غزة وإدخاله في حرب شوارع وعصابات وإلحاق خسائر فادحة في صفوفه.
ولا شك في أن الرعب الاسرائيلي كان واضحا وترجم بإمتناع الجنود الصهاينة عن تنظيم صفوفهم تمهيدا للمواجهة المباشرة مع المقاومين، وآثروا الدخول من خلال الدبابات التي أحرقت وأحرق الجنود بداخلها، حيث تشير الإحصاءات أن أكثر من مئة دبابة قد إختفت من المشهد عبر الأقمار الاصطناعية ما يعني أنه تم إستهدافها وتدميرها.
في غضون ذلك، ما يزال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو يرفع السقوف بإطلاق التهديدات بإنهاء حماس والتفرغ بعد ذلك للجبهة الشمالية مع لبنان، في وقت تشير فيه نتائج الميدان الى أن نتنياهو وبعد ٣٩ يوما على عملية طوفان الأقصى، بدأ يعتمد البروباغندا سواء في تصريحاته العالية السقف والتي لا تستند الى وقائع أو في فبركة الانجازات الميدانية سواء برفع الاعلام الاسرائيلية على تخوم غزة أو ما قام به مؤخرا من تصوير أحد المصاعد على أنه نفق من أنفاق حماس، ما ضاعف من النقمة عليه في إسرائيل معارضة وموالاة وأهالي أسرى حيث تتوالى الاتهامات عليه بأنه يريد أن يضحي بهم لحماية نفسه، ويريد إطالة أمد الحرب لتمديد حياته السياسية.
وفي هذا الاطار، تتركز الاتصالات على ترتيبات ما بعد الحرب على غزة، في ظل تفاهم سعودي إيراني على إعتماد حل الدولتين والذي تم تضمينه في البيان الختامي للقمة العربية والاسلامية، في حين تجري على قدم وساق مفاوضات بين أميركا وإيران في الدوحة برعاية قطرية للبحث في ملف العدوان على غزة بما في ذلك الأسرى وآليات التبادل، كما تجري مفاوضات مماثلة بين الطرفين في عُمان حول الملف النووي ومسار رفع العقوبات الأميركية عن إيران.
يبدو أن الجميع بات مقتنعا بضرورة لجم الجنون الاسرائيلي الذي بدأ يُحرج الأنظمة العربية والغربية أمام شعوبها التي تستوطن الشوارع والساحات إحتجاجا على إستمرار العدوان على غزة، فضلا عن إقتناع حكومة نتنياهو بأنه يقود إسرائيل نحو مزيد من الخسائر العسكرية والمعنوية والاقتصادية والمالية وبالتالي لا يوجد أي أفق لاستمرار الحرب مع المقاومة الفلسطينية التي ما تزال صامدة وتتمتع بحهوزية كاملة للرد، فضلا عن صمود شعب غزة في أرضه في مواجهة كل محاولات التهجير، وكذلك الخوف من تدحرج الأمور الى حرب مفتوحة ليست في مصلحة أحد، خصوصا أميركا التي تتجنب الدخول في مستنقعات المنطقة من أجل نتنياهو الذي سيتحول بمجرد وقف إطلاق النار الى جثة سياسية..