2024- 05 - 03   |   بحث في الموقع  
logo للشهر الثاني على التوالي.. أسعار الغذاء العالمية ترتفع logo تسارع التضخم السنوي في تركيا logo المحامون ممنوعون من استخدام “تيك توك” logo الأب إيلي خنيصر: أمطار غزيرة وعواصف رعديّة logo مسؤول أميركي: قوات روسية تدخل قاعدة تتمركز فيها قواتنا في النيجر logo فضل الله: الرد على اعتداءات اسرائيل يأتي على قاعدة السن بالسن والعين بالعين logo إختلاسات عيتاني - الحريري بملايين الدولارات... وتراخٍ مُلتبس من منصوري! logo "لم يحقق شيئا من أهدافه"... يزبك: المقاومة تخوض حربها إسنادا ودفاعا!
محمد خضير... نافذة على غزة
2023-10-11 16:42:23

يوم كتبتُ قصتي عن القدس "جامعو الجثث"(مجلة الآداب، ديسمبر ١٩٦٧) كنت أجهل جغرافية الحدث الطبيعية، فاستعنتُ ببضع صور للقدس القديمة نشرتها مجلةٌ عراقية_ مجلة العاملون في النفط_ وعلّق عليها جبرا إبراهيم جبرا. كان ذاك عصر فلسطين المقاومة بعد حرب حزيران ١٩٦٧.

كان تأثير الصور هادئاً، خارجاّ من رحم الغضب والهزيمة التي أطاحت بالجيوش العربية، في أول مواجهة عسكرية كبيرة، منذ نكبة ١٩٤٨. الحارات الضيقة ومنحدراتها أو مراقيها، جدران الحجارة المرصوفة عبر الازمان، ثياب الرهبان، وجوه الفلسطينيين الأصليين المحفورة بالألم والصمت، نقلتني_ كما نقلت عشرات الكتاب العراقيين_ عبر الحدث الفلسطيني البعيد إلى قلب القدس، بعد الحرب، وقد غسلت أمطار الخريف الدماءَ، وانسحب صوت فيروز الصادح بـ"الغضب الساطع" وانطوى على حزنه، قبل أن ينهض _ الحدث/ القضية_ ثانية بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣. (راجع مجلة الآداب بين ١٩٦٧_ ١٩٧٣).
تهيأت لكتّاب عرب وعالميين زيارة الأرض المحتلة والضفة الغربية وغزة، إلا أن تأثير الصور المقدسيّة القديمة تلك سيظلّ رابضاً في ركنه الحصين من الذاكرة العراقية، التي لا تملك إلا أن تشارك "قدّاس" فلسطين عبر الجدار العازل للمستوطنات الاسرائيلية الجديدة عن أصوات الأهالي الغاضبين. ليس بإمكان حدثٍ جديد، كالقصف الحربي الهمجي الأخير على غزّة، أن يحرّك صورة فلسطين المنكوبة، بوصةً واحدة عن ارتسامها على جدار العزل الرمزي، أو يُلجِم جوقة "القدّاس" الانتحاريّ من الإنشاد خلفه، طيلة أزمنة الاحتلال. ستأتي أمطار الخريف على عواقب النكبة الظالمة، الثانية، وتُجمع الجثثُ من تحت الانقاض، بينا يبقى المصيرُ غير المقرَّر والحاسم_في صورة دولتين_ قلِقاً، وتائهاً في دهاليز السياسة الدولية، كتيهِ بني إسرائيل التوراتيّ، ثم كالشتات الفلسطيني بعد النكبة، في نصوص كلاسيكية وأخرى معاصرة، على جانبي الجدار (قصائد محمود درويش ويهودا عميخاي، وروايات غسان كنفاني وعاموس عوز، على حد سواء).
متى يتهيأ للعقل اليميني الاسرائيلي إدراك هذا المصير المزدوج لشعبين، مُترجَميْن بلغات العالم، ليس أقلّها لغات جان جينيه وخوان غويتسولو وجوزيه ساراماغو وغيرهم؟ سينهار الجدار يوماً ما، كما انهار جدار برلين، وسترسُم الدماء آثاراً عميقة لسردية المعارك غير المتكافئة، وسيُسمَع "القدّاس" الفلسطيني بلغته الوحيدة، لغة الشعب الحقيقية، غير المحرّفة بالطمس والعزل والاستصغار الإنساني والاستحقاق التاريخي. ليت هذا اليوم، يوم التحرير، يأتي سريعاً، لكي نعود لحارات القدس، فنقرأ قصيدة يهودا عميخاي (١٩٢٤_ ٢٠٠٠) على حقيقتها أيضاً، وهي تتكلم عن "الحرب والسلام":
"أنا عنصري سلمي:
الزرق العيون يقتلون،
السود العيون يفتكون،
المجعَّدو الشعر يهدمون،
الملس الشعر يفجّرون،
السمر الجلد يمزّقون آرابي،
الورديو الجلد يسفكون دمي
العديمو اللون وحدهم
الشفّافون وحدهم طيّبون
أولئك فقط يتيحون لي فرصة النوم ليلا دون رعب
ورؤية السماء
من خلالهم".*
ولربما استبقنا الوقت اليوم، فلاحظنا أن ليس من نوم هانئ "لشفّافي الجلد" القادمين من أرض بعيدة ليستوطنوا أرض أصحاب الجلود المثخنة بالجراح، حتى يقرّ أولئك "الشفّافون" بحق هؤلاء القابعين في ظلّ الجدار، الحقيقي أو الأدبي. وبانتظار المصير العادل، سيقبع الرعب بأحلامه وكوابيسه الليلية في رؤوس المستوطنين العنصريين، حتى حينٍ قريب أو بعيد.
________________
* ولد الشاعر يهودا عميخاي لأسرة يهودية في مدينة فورتسبورغ بألمانيا، وغير اسمه الاصلي ليعني بالعبرية "يحيا شعبي". والقصيدة من ديوانه "ساعة الرحمة" 1982، بترجمة رؤوبين سنير _ وهو من أبوين عراقيين، ولد في حيفا 1953، رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة حيفا.
(**) مدونة نشرها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top