تحتدم الأوضاع الأمنيّة في بلدة اللبوة، شمالي شرق مدينة بعلبك، حتّى لحظة كتابة هذا التّقرير، وتستمر الصدامات بين الجيش اللّبنانيّ وأهالي المنطقة، المُحتجين على "قتل" دورية من الجيش للشاب نجيب أحمد رباح (22 سنة، لبناني)، مساء الأمس، 30 أيلول الفائت. بعد رفض الأخير الامتثال لأوامر الدوريّة، بالتّوقف لتفتيش سيارته، ولا بعد إطلاق عدّة طلقات تحذيريّة في الهواء..
الحال، أن محاولة الجيش اللّبنانيّ المستمرة والدؤوبة لإرساء الأمن والانتظام العام في منطقة بعلبك- الهرمل، تحولت من هدفٍ تحدوه الصعوبات اللوجستيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، لمهمة شبه تعجيزيّة، مقرونة بهيمنة قوى أمر واقع من أحزاب وعشائر رافضة لأي قوى شرعيّة، تضبط الانفلات العام الحاصل.رفض الامتثال للجيشوفي التّفاصيل، علمت "المدن" من مصدرٍ أمنيّ في المنطقة، أنه وحوالى السّابعة من مساء الأمس، وفيما كان الشاب ومعه ثلاثة شباب آخرين (من آل المولى، أمهز، ومنيه)، على متن سيارة من نوع "كيا- بيكانتو"، متوجهين من بلدة العين إلى بلدة اللبوة، بعد تبضع بعض الحاجيات من العين، لحفل زفاف شقيقة الشاب من آل المولى، الذي كان قائمًا في الوقت نفسه.. وعلى الطريق الدوليّ، حيث أقام الجيش حاجزًا أمنيًّا، ضمّ عناصر فوج التّدخل السّريع (في حال المخالفات، ويُسمى أيضًا Quick Reaction Force QRF) وبعضهم من المثلمين، بُغية إلقاء القبض تحديدًا على أحد الشبان، الذي قام باليوم نفسه بإطلاق النار ابتهاجًا بالزفاف، ويقود تحت تأثير الكحول (فيما تحدثت معطيات أخرى أن الشبان كان في حوزتهم سلاح ومخدرات).
إلا أن الشبان رفضوا التوقف، أو السّماح للعناصر بتفتيش السّيارة، وهموا بالانطلاق مسرعين بسيارتهم، ورافعين أصوات الموسيقى. وعليه، قام العناصر بإطلاق طلقات تحذيريّة في الهواء، وباتجاه السّيارة، التّي لم تتوقف بالرغم من ذلك، فلحقت بهم الدورية وعندما وصلت السّيارة إلى تقاطع "مصلبية اللبوة"، قام العناصر بإطلاق النار باتجاه السّيارة فأُصيب نجيب رباح بطلقٍ ناريّ في رأسه وظهره، وسرعان ما قضى رباح نحبه، فيما جُرح الآخرون وتمّ توقيفهم. ونُقل القتيل إلى مشفى العاصي، حيث أودع الشبان الآخرون في المشفى نفسه تحت حراسة أمنيّة مُشدّدة.حالة استنفار شعبيّالواقعة هذه، تلقفها الأهالي سلبيًا، مُعتبرين أن الجيش واقع تحت "مؤامرة حزبيّة"، وهذا الكلام المألوف والمُعاد لدى كل محاولة للجيش للقبض على المخالفين والجناة، خصوصًا في إطار حملته الأمنيّة الأخيرة (راجع "المدن")، وحولوا القضيّة من واقع خالف فيها الشبان أوامر الجيش وطلبه في تفتيش السّيارة بعد تبلغه بإطلاق النار العشوائي، إلى قضيّةٍ عشائريّة- طائفيّة، محتجين على ما فعله الجيش. إذ صدر بيان عما يُسمى "عشيرة آل رباح" (انتشر على وسائل التّواصل الاجتماعيّ) يُناقض الوقائع الأصليّة التّي ذُكرت على لسان المصادر الأمنيّة وسائر سكان البلدة، الرافضين لموقف عائلة رباح العدائي تجاه الجيش، والذي اعتبر أن القتيل هو "شهيد ومغدور"، محملين الجيش مسؤوليّة مقتله.
فيما أقدمت "العشيرة" على قطع الطريق الدوليّ، بعلبك- حمص، الذي يمرّ من بلدة اللبوة، وإشعال الإطارات المطاطيّة، وعمدت إلى تحشيد المناصرين والتّصعيد والوعيد، احتجاجًا على مقتل الشاب (وسط تدخل لحزب الله). وعندما حاول عناصر الجيش فتح الطريق تعرضوا للرشق بالحجارة، كما سمعت اصوات إطلاق نار، فيما تحدثت معطيات عن إصابة شخصين من آل رباح. إلى أن الجيش قام باستقدام تعزيزات عسكريّة، وتمّ فتح الطريق مُجدّدًا وبصعوبة شديدة، حتّى لحظة كتابة هذا التقرير، وسط تشديد أمنيّ مُكثف.بيان الجيشهذا، وأصدرت قيادة الجيش-مديرية التوجيه البيان الآتي:
بتاريخ 1/ 10/ 2023، أثناء احتجاجات في منطقة اللبوة على خلفية مقتل مواطن خلال تنفيذ حاجز ظرفي في بلدة العين بتاريخ 30/ 9/ 2023، قطع المحتجون طريق بعلبك- حمص الدولي. كما تعرضت الوحدة العسكرية المكلفة فتح الطريق للرمي بالحجارة.
تدعو قيادة الجيش المواطنين إلى ضبط النفس والتعاون مع التدابير الأمنية، وتؤكد أنها باشرت بإجراء تحقيق في جميع المجريات لكشف ملابسات الحادثة.معركة فرض الانتظام العامالواقعة اليوم، التّي تبدو لحدٍّ بعيد، حادثة شبه يوميّة ومكرّرة، هي ضمن سلسلة دوريّة ومكثفة من العمليّات الأمنيّة في مختلف أنحاء قرى وبلدات البقاع الأوسط والشمالي، معطوفةً على خطة أمنيّة يقودها الجيش بمؤازرة سائر الأجهزة، في محاولة مستميتة لإرساء واقعٍ أمنيّ أكثر استتبابًا، وإعادة أكبر محافظات لبنان إلى حضن الدولة، بعد عقودٍ من اغترابها عنه.
فيما يبدو أن التّحدي الأكبر الذي لا يزال متربصًا بهذه السّلطات العازمة على فرض سلطتها الشرعيّة، وتدارك التأزم الأمنيّ التاريخيّ، الذي أفرز تسيبًا استثنائيًا على كافة الصُعد، كان ولا يزال في مدى مقدرتها على إحكام سيطرتها بموازاة تغلغل سطوة قوى الأمر الواقع، من ثنائي حزبي وعشائر.