2023- 11 - 28   |   بحث في الموقع  
logo الحريري يُهنّئ السعودية باستضافة “إكسبو 2023” logo الحلبي عرض مع حمادة ووفد من التعبئة التربوية لـ”الحزب” لأوضاع المدارس logo المكاري: سنفتح مع إسرائيل القاتلة معركة قضائية logo الراعي بحث في التطورات السياسة مع زواره logo رنا العشرينية ضحية جديدة لما يسمى "جرائم الشرف" logo الأسد يمدد لكفاح ملحم برئاسة المخابرات العسكرية..مهندس معاناة السوريين logo تحالف حرية الرأي:قانون الاعلام يحدّ من حريتَيْ التعبير والصحافة logo "القسام" تعيد تصحيح الرواية الاسرائيلية.. وتربك الاحتلال
الكنيسة والسلطة السياسيّة
2023-10-01 08:12:02


تستحضر زيارة الرئيس العماد ميشال عون إلى بلدة رحبة العكّاريّة الأسبوع الماضي إشكاليّة العلاقة بين الكنيسة والسلطة. فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعيّ كيف أنّه جرى «قطع» القدّاس الإلهيّ لمدّة زمنيّة ما عبر «تأخير» المناولة، وهي تشكّل ذروة القدّاس وأبرز محطّاته، من أجل استقبال العماد والرئيس السابق. كذلك سجّلت وسائل التواصل ما دار بعد الزيارة من نقاش تمحور على مدى صواب ما حصل، ولا سيّما أنّ من ترأّس القدّاس كان راعي أبرشيّة عكّار الأرثوذكسيّة باسيليوس منصور.
من الضروريّ قراءة دلالات هذه الحادثة في سياق أوسع. فهي ليست فريدةً من نوعها. وقد سبقتها، وستتلوها على الأرجح، حوادث أخرى تحيلنا على التباس العلاقة بين الكنيسة والسلطة الزمنيّة. لم يغب بعد عن ذهننا لجوء بعض السياسيّين والموظّفين الكبار إلى مرجعيّتهم الدينيّة طمعاً في الإفلات من العقاب. ولعلّ معظمنا ما زال يتذكّر تورّط بعض المكاتب الدينيّة الرسميّة في لعبة كمّ الأفواه بحجّة المحافظة على «الأخلاق». بكلمات أخرى، حوادث كهذه ليست هي الداء، بل مجرّد عوارض تشير إلى ما هو أعمق وأعتى، أي التداخل إلى حدّ الاختلاط بين نطاقي السلطة الزمنيّة والسلطة الدينيّة، بكلمات يسوع المسيح «بين ما هو لقيصر وما هو لله». من البديهيّ أنّ ما يشجّع على هذا الاختلاط هو، من جهة، كلامولوجيا الخطاب الطائفيّ لدى معظم الأحزاب في لبنان، ومن جهة أخرى، النماذج الطائفيّة التي يجري تسويقها، سرّاً وعلانية، لسوريّا والعراق ودول أخرى. لكنّ الاختلاط لا يكمن في الخطابات الشعبويّة والنماذج البسودو-سياسيّة فحسب، بل في عقول شرائح واسعة من الناس أيضاً، وهنا بيت القصيد. من النافل القول إنّ تبدّل الذهنيّات لا يتمّ بسحر ساحر. لكنّه أيضاً لا يتحقّق بالصدفة، بل هو يستند إلى عمليّة تراكميّة شرطها الأوّل قيام دولة حقيقيّة محايدة دينيّاً (وعرقيّاً وإثنيّاً وجنسيّاً) تتيح للمواطنات والمواطنين أن يتماهوا بها عبر سهرها على أمنهم وتأمين مصالحهم. فيتعاظم حسّهم بالانتماء إلى الدولة ويتقهقر انتماؤهم المفرط إلى العناصر الأخرى التي تتحكّم في ديناميّات الهويّ كالدين أو الطائفة.
ولكن ماذا عن دور المؤسّسة الدينيّة؟ لقد أثبتت تجربة العقود الأخيرة أنّ التحالف بين أهل الدين وأهل السياسة كان واحداً من العوامل التي أفضت إلى تراجع الحسّ بالمواطنة وخلخلة مجتمعات برمّتها. فالسلطة السياسيّة عوّلت على خدمات المؤسّسة الدينيّة كي تتصدّى بفاعليّة أكبر لمنتقديها من العلمانيّين وغير العلمانيّين. أمّا القابضون على ناصية الإستبلشمنت الدينيّ، فقد أغواهم التحالف بين الدينيّ والزمنيّ واعتبروا، بنظريّة غيبيّة لا تخلو من احتمالات السذاجة، أنّ الإمعان في تديين المجتمع كفيل بأن يستمطر عليه بركات الربّ. المؤسّسة الدينيّة معنيّة، إذاً، بترسيم الحدود مع السلطة السياسيّة، ومطالبة بأن يكون تدخّلها في الشأن العامّ لا من أجل «تصويب» الفنّ أو «تقنين» الثقافة أو الانتصار للأخلاق «الحميدة»، بل في سبيل الدفاع عن حقّ الناس بالعيش الكريم والازدهار والذود عن كرامتهم وحرّيّتهم. ثمّة، أيضاً، مسؤوليّة عظمى تقع على عاتق القائمين على التربية الدينيّة قوامها تصويب المقاربة التأويليّة للنصوص المقدّسة والتراث عبر تفكيك ميتافيزياء التلاصق بين الزمنيّ والدينيّ. فهذا التلاصق لا يخدم سوى تشويه الدين عبر خلطه بالنفعيّة والانتهازيّة والجنوح إلى القمع لدى عدد لا يستهان به من المتديّنين.ثمّة مشروع في الفضاء العامّ يستحقّ أن نعمل من أجله جميعاً: فصل واضح المعالم بين السلطة الزمنيّة والسلطة الدينيّة، واستعادة للسياسة، بدفع من الأصيلين الصادقين في كلّ دين من الأديان، إلى مرجعيّتها الحقيقيّة، أي الأخلاق.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2023
top