جاء الممثل أحمد رمزي إلى عالم السينما العام 1955 مشاركاً في بطولة فيلم "أيامنا الحلوة" للمخرج حلمي حليم مع كل من عمر الشريف وعبد الحليم حافظ، ليعيد وجهة نظر السينمائيين في مواصفات الفتى الأول. فقبله كان فتيان الشاشة من ذوي الياقات البيضاء يهتمون بمظهرهم الخارجي وأناقتهم بشكل مبالغ فيه، فضلاً عن أنهم جميعاً كانوا ممن تجاوزوا السن التي تتيح لهم تقديم أدوار الشباب ما قلل من مصداقيتهم على الشاشة، فإذا بأحمد رمزي بفتحة صدره وانطلاقه وحيويته وملاءمته العمرية (من مواليد 23 من أذار/ مارس 1930 ) يدشن بهذا الفيلم الموجة الأولى من أفلام الشباب التي عرفتها السينما المصرية...
وربما يكون ظهور عمر الشريف قبله بعام في فيلم "صراع في الوادي" ليوسف شاهين قد هيأ أذهان السينمائيين والمتلقين على السواء، لتقبّل هذا التغيير إلا أن إصرار أحمد رمزي على تأكيد ملامح الشخصية التي ظهر بها في فيلمه الأول بطريقة أكثر وضوحاً من عمر الشريف الذي انشغل سريعاً بحلم العالمية، هو الذي ساعده على أن يقترن اسمه بموجة أفلام الشباب أكثر من غيره خصوصاً أنه ظل طوال السنوات الأربع التالية، يمثل وحده تقريباً، هذه النوعية من الأدوار قبل أن يقاسمه فيها كل من حسن يوسف مع بداياته العام 1959 ويوسف فخر الدين الذي احتاج منذ ظهوره الأول العام 1957 سنوات عديدة قبل أن يحدّد ملامح الشخصية الفنية التي تناسبه، فإذا ما بدأت مرحلة الستينيات كان هؤلاء الثلاثة قواسم مشتركة في غالبية أفلام الشباب والمغامرات.ويلفت الانتباه في بدايات أحمد رمزي أنه لم يهتم بمساحة الدور ولا بتوصيفه كبطل أول أو ثان، رغم أن فيلمه اللاحق مباشرة على فيلم "أيامنا الحلوة"، كان هو بطله أمام فاتن حمامة ومن إنتاجها أيضاً، وهو فيلم "حب ودموع" من إخراج كمال الشيخ. لكن بقية أفلامه العشرة الأولى تأرجح فيها حضوره بين البطولة الأولى والثانية، فكان بطلاً أول مثلاً في "صوت من الماضي" إخراج عاطف سالم، و"القلب له أحكام" إخراج حلمي حليم، بينما ذهب إلى البطولة الثانية في "أيام وليالي" إخراج هنري بركات، و"صراع في المينا" إخراج يوسف شاهين، أو حتى البطولة الجماعية كما في فيلم "شياطين الجو" مع شكري سرحان وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم، ومن إخراج نيازي مصطفي. وربما ساعد ذلك في سرعة انتشاره في وقت قياسيّ، فإذا ما انتهت سنة 1958 كان رمزي قد قدّم للسينما 27 فيلماً، منها تسعة أفلام دفعة واحدة في العام 1958 نفسه من أصل 100 فيلم قدمها على مدى 45 عاماّ، ما يعني أنه قدم أكثر من ربع عطائه السينمائي كله في سنواته الأربع الأولى فقط.
ورغم تراجع حظوظ أحمد رمزي نسبيا بظهور الممثل حسن يوسف سنة 1959 ووضوح ملامح شخصية الممثل يوسف فخر الدين، إلا أنّه استعاد سريعاً رغبة صناع السينما في الطلب عليه، حينما أدركوا إمكانية الجمع بين الثلاثة فى فيلم واحد، أو اثنين منهما على الأقل مع كوميديان محترف مثل عبد المنعم إبراهيم أو محمد عوض، فسادت نوعية بذاتها من الأفلام اعتمدت على الحيوية والمغامرة والبطولات الجماعية. فلماذا سادت إذن تلك النوعية؟أولاً: رغم فردية الزعامة السياسية في الستينيات ممثلة في جمال عبد الناصر، فإن المد الاشتراكي الذي ساد كل شيء في الحياة العامة في مصر، خلق حالة من الترحيب بالبطولات السينمائية الثلاثية أو الجماعية بدرجة أكبر من ذي قبل، وأكبر حتى من البطولات المطلقة في الفترة ذاتها.ثانياً: مع نمو مثقفي ومتعلمي الطبقة المتوسطة وخروج المرأة للعمل على نطاق أوسع، ورغبة الجميع في الحصول على حقه في المتعة والترفيه، أصبح الذهاب إلى صالات السينما طقساً محبباً ومألوفاً لدى أبناء هذه الطبقة، ومعه توارت الدراما الشعبية التي كانت سائدة حتى نهايات الخمسينيات لصالح الدراما الأسرية وخاصة أفلام الكوميديا الخفيفة والمغامرات. وعرفت عناوين أفلام تلك المرحلة مفردات الأسرة والعائلة من قبيل: "العريس يصل غداً، عائلة زيزي، مذكرات تلميذة، جواز في خطر، اعترافات زوج، نمر التلامذة، الشقيقان، صبيان وبنات، المراهقة الصغيرة، ليلة الزفاف، الأصدقاء الثلاثة، شقة الطلبة، شباب مجنون جداً، للمتزوجين فقط، الشياطين فى أجازة"، وجميع هذه الأفلام كانت من بطولة أحمد رمزي.
ثالثاً: كان لموهبة سعاد حسني وحضورها اللافت في سينما الستينيات، أثر واضح في رغبة صناع السينما في بناء أفلامهم على صيغة الفتاة المنطلقة محط اهتمام مجموعة الشباب المحيطين بها، كما حدث مع أفلامها أمام أحمد رمزي تحديداً مثل الأشقياء الثلاثة والمغامرون الثلاثة وشقاوة بنات وشقاوة رجالة وغيرها.رابعاً: رغم انحسار المد الاشتراكي بوفاة عبد الناصر وتولي الرئيس أنور السادات الحكم سنة 1970، فإن سبباً آخر غير فني ساهم في بقاء ظاهرة أفلام المغامرات والبطولات الجماعية، وتمثل في رغبة صنّاع القرار والممتدة من هزيمة 1967 وحتى نهاية انتصار 1973 في إلهاء الناس بمجموعة من الإفلام الخفيفة وأفلام المغامرات، وهو ما يفسّر ضعف مستوى أفلام أحمد رمزي بعد العام 1967 قياساً بما كان يقدمه قبل تلك السنة.لكن الأمر لم يكن يخلو من بعض الأفلام المهمّة التي قدّمها رمزي في مطلع السبعينيات، منها: "ثرثرة فوق النيل، أغنية على الممر، والحب تحت المطر"، وتبقى الإشارة في هذه المرحلة إلى تجربته خارج حدود المنطقة العربية، وبالتحديد في السينما الإيطالية حيث شارك في فيلم "ابن سبارتاكوز"(1962)، "حديقة الشيطان"(1971)،" و"يمكنك أن تفعل الكثير بالنساء" في العام نفسه، وأبسط ما يمكن أن يقال عن هذه التجربة أنها كانت مغامرة غير محسوبة لم ترض طموح أحمد رمزي الذي اعترف لي قبل أشهر من رحيله أنه وقع في خديعة خاصة في فيلم المخرج سيرجيو كوريوتشي "ابن سبارتاكوز"، فبدا للمشاهد وكأنه ممثل كومبارس أتى به مخرج الفيلم كي يؤدي دوراً عابراً رغم أن السيناريو لم يكن كذلك، بل والمشاهد التي صُورت كانت أطول وأكبر تأثيراً، لكن ما رآه في الشاشة كان شيئاً آخر، مضيفاً أنه تعلّم الدرس من هذا الفيلم ولم يكرر خطأه مرة أخرى.وبعدما تجاوز عقد السبعينيات منتصفه، لم يجد أحمد رمزي ما يناسبه من أدوار رغم أنه ظل طوال النصف الأول من هذا العقد يقاوم فكرة تقدمه في العمر، حتى أن شاشات السينما لم تستقبل له بين العامين 1976 و1981 سوى فيلمين فقط، أحدهما "جنون الشباب"(1972) وبقيت الرقابة المصرية تمانع عرضه مدة طويلة، والآخر "حكاية ورا كل باب" وهو عبارة عن حلقات تلفزيونية منفصلة من بطولة فاتن حمامة، وهذا معناه أنه لم يشارك في أي عمل سينمائي بعد مشاركته في فيلم "الحب تحت المطر"(1975) لمدة 15 عاماً، قبل أن يشارك الممثلة نيللي سنة 1995 بطولة فيلم "قط الصحراء" ثم الممثلة يسرا بطولة فيلمه الأخير "الوردة الحمراء"(2000)، لكن بعدما كانت ملامحه قد تغيرت، وهي التي كانت من أهم أسباب نجاحه وحظوته الجماهيرية عند ظهوره في الخمسينيات.
سألته وأنا أعد عنه كتاب تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي سنة 2007 عن أسباب عودته للتمثيل مطلع التسعينيات، بعدما تغيرت ملامحه التي كانت سبب شهرته، فاعترف لي بأنه أخطأ مرتين.. مرة حينما توقف عن التمثيل في السبعينيات، لأنه لو كان استمر لما شعر الجمهور بهذا الاختلاف الواضح باعتباره تطوراً طبيعيا لتقدم العمر. وأخطأ مرة أخرى حينما عاد للتمثيل في فيلم "قط الصحراء"، فقد جرفه حنينه للتمثيل فعاد في ظروف غير مهيأة، ليس فقط بسبب تبدل ملامحه، وإنما أيضاً بسبب اختلاف المناخ الفنى الذي كان يعمل فيه سابقا وهو الخطأ الذي أدركه بعد مشاركته التالية في فيلم "الوردة الحمراء" 2000).وفي سنواته الأخيرة استسلم أحد رموز سينما الشباب لمتاعب الشيخوخة والمرض والعزلة في بيته، يراعي ابنه نواف الذي يعاني إعاقة ذهنية، وكان يستقبل بعض أصدقائه ومحبيه حتى سيطرت عليه أمراض الشيخوخة إلى أن توفي في 28 أيلول/ سبتمبر 2012.لكن ما سيبقى من مشوار الفتى الوسيم في ذاكرة المشاهد، أنّه كان بفتحة صدره وحيوية أدائه عنواناً بارزاً لتيار سينما الشباب وشاهداً على أيامنا الحلوة التي عشناها معه ومع أقرانه من النجوم في شاشة السينما.