في صفحتها الفايسبوكية، كتبتْ الروائية العراقية انعام كجه جي: "رقيب في بلد عربي يعترض على بيتين وردا في رواية "النبيذة" للشاعر العباس بن الأحنف (750 - 809). كان البحتري يعتبره أغزل الناس. لكن غزله الرقيق خدش حياء الرقيب.
والبيتان وردا في نص الرواية على الشكل الآتي:
"أستَغَفَرَ الله إلا من محبّتكُم فإنها حسناتي يوم ألقاه
فإن زعمتِ بأنّ الحب معصيّةً فالحب أجمل ما يُعصى به الله".
- من الكافر الجميل؟
ـ العباس بن الأحنف يا غشيمة...."
مضحك ومبك أمر الرقابة في بعض البلدان العربية فعلاً، كأنها تبحث عن إبرة في كومة قش،
"تلهو" في فحص جملة في هذه الرواية أو كلمة في تلك القصيدة، أو مشهد عابر في فيلم سينمائي أو مسرحية. تعتبر نفسها وصية على عقول الناس ونواياهم وأحلامهم، وتقف حارسة للأخلاق والدين في حين أن الهاتف النقال مفتوح على عوالم ودهاليز لامتناهية، ويمكن لجهاز صغير أن يتضمّن آلاف الكتب من دون فولكلور المعارض والاحتفالات ولا حتى حرص المكتبات وخوفها من الكبسات الأمنية، من كتب أبي نواس إلى ابن حكيمة، من لوليتا التي منعت في العراق إلى جبران الذي منع في مصر، من رجوع الشيخ إلى صباه إلى أزهار الشر، من الشخصية المحمدية إلى تاريخ القرآن... وعبر لابتوب أو هاتف نقال، نتواصل بسلاسة وبأسهل الطرق والمفاتيح مع معارف العالم أجمع، السياسية والأدبية والاجتماعية والفلسفية والإباحية والملحدة والمؤمنة، لكن الرقابة العربية السلطوية العجيبة الآتية من "دقة قديمة" وعقل قروسطي أمني متعفن، ما زالت مهجوسة بالكلمة المكتوبة، أو الكتاب الورقي، زاعمة ومتوهمة أنه محرك عقول الشعوب وحواسهم ومقرر مستقبلهم...
ربّما فات الرقيب الفطن، الذي يفكر بمنع رواية إنعام كجه جي بسبب بيتين من الشعر الغزلي، أنّ الرواية عنوانها "نبيذة". نقول ذلك انطلاقاً من أنّ بعض جهابذة الرقابة، يمنع الكتب من عنوانها، فكلمة نبيذ ممنوعة في ترجمات الأفلام والمسلسلات المدبلجة، وتُستبدل بكلمة شراب أو عصير العنب، وسبق أن مُنعت كلمة سكران عن غلاف ديوان "اعتقد أنني سكران" للشاعر شبيب الأمين، وسبق أن منعت الرقابة القذافية في ليبيا كتاب "مملكة النحل" لأنها كانت تمنع أي شيء عن المَلَكية، أو النظام الملكي السابق في البلاد!
أحياناً تكون الرقابة واضحة لأسباب سياسية أو دينية أو جنسية وربما طائفية كما في لبنان، الرقابة الراهنة تبدو مزاجية أو تريد القول أنها مستنفرة وجاهزة، ويرجح أن الرقيب جاهل بكل شيء فيمنع بطريقة عشوائية. ففي معرض عمّان، منعت أعمال ابراهيم نصرالله الشعرية، لكن سرعان ما نفى مدير المعرض قرار المنع، أو أعاد النظر فيه بحسب صاحب المؤسسة العربية للدراسات، والأرجح أن ذلك حصل بعدما أثار الشاعر القضية في الفايسبوك. وما علمناه لاحقاً أن الكثير من الكتب منعت في معرض عمّان، منها أعمال شعرية وروائية للعراقي الأميركي سنان أنطون، وصودرت روايته الأخير "خُزامى" لأسباب مجهولة، وهي تتناول موضوع "قساوة هجرة الأوطان وصراع الهوية"، ومنع أكثر من 30 عنواناً من منشورات الجمل، منها رواية "عالم صدام حسين" لمهدى حيدر، الرواية الأشهر عن شخصية الديكتاتور العربي. وكما قلنا سابقاً إن دور النشر تفضّل الصمت على ألا تدفع الثمن مضاعفاً، تسكت على منع مجموعة كتب، حتى لا تُمنع مشاركتها في المعارض بشكل كامل، تريد جانباً من المردود المالي من أجل البقاء... أيضاً بعض دور النشر "العريقة" التي كانت ميزتها الكتب السياسية والروائية "الجريئة"، باتت تعمل على مبدأ الرقابة المسبقة، أي كتاب تدرك أنه سيتعرض للرقابة لا تنشره، وبالتالي نشهد تضييقاً على الحريات من جوانب مختلف...
فعشتم وعاشت الثقافة والمعارض..