يتطلع رجال دين في إيران إلى الاستفادة من الإمكانات التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي، من أجل المساعدة في إصدار الفتاوى واختصار كثير من الوقت، في وقت أبدى فيه كبار المسؤولين الدينيين في البلاد اهتماماً بضرورة الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها لتحقيق "مزيد من التطور".
وبات رجال الدين في إيران يحرصون على دراسة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في أي شيء، من تحليل النصوص الإسلامية الطويلة إلى إصدار الفتاوى الدينية، خصوصاً في مدينة قم الإيرانية، التي تُعرف بأنها مركز لتلقي العلوم الإسلامية ومكان للحج الديني، حسبما أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.ونقلت الصحيفة عن محمد قطبي، الذي يرأس مؤسسة حكومية في قم تشجع التكنولوجيا: "لا يمكن أن تحل الروبوتات محل كبار رجال الدين، لكنها قد تكون مساعداً يعتمد عليه في إصدار الفتوى في خمس ساعات بدلاً من 50 يوماً".والحال أن تاريخ إيران الحديث يتسم بالصدامات بين التقاليد والحداثة، ويشكل رجال الدين الشيعة في البلاد وعددهم مئتا ألف، نصفهم في مدينة قم، القوة الرائدة في حماية القيم التقليدية والدينية منذ الثورة الإسلامية العام 1979.وفي ظل دعوات التحديث المتنامية التي واجهتها القيادة الإيرانية في أعقاب حركة الاحتجاج الحاشدة العام الماضي إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) في سجن شرطة الأخلاق إثر اعتقالها بتهمة مخالقة قواعد الحجاب الإلزامي، وجدت المؤسسة الدينية في التكنولوجيا وسيلة تُظهرها بمظهر المرحب بالتنمية وتعمل على تعزيز الطابع الإسلامي للبلاد في الوقت نفسه.وأكد قطبي هذا النهج، معتبراً أنه يجب على رجال الدين ألا يعارضوا رغبة الإيرانيين في المشاركة في التقدم التكنولوجي العالمي. وقال: "مجتمع اليوم يفضل التسارع والتقدم".وتبحث المؤسسة الدينية الإيرانية عن طرق للاستفادة من التكنولوجيا منذ انعقاد مؤتمر الذكاء الاصطناعي الأول في قم العام 2020، وتحدث رئيس حوزة قم العلمية، وهي أكبر مؤسسة من نوعها في العالم الشيعي، مؤخراً عن كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع الدراسات الإسلامية لكبار رجال الدين وتسريع تواصلهم مع الجمهور.وكان "مدير الحوزات العلمية" في إيران آية الله رضا أعرافي، قال في تموز/يوليو الماضي: "يجب على الحوزة أن تشارك في استخدام التكنولوجيا الحديثة والتقدمية والذكاء الاصطناعي. علينا أن ندخل في هذا المجال لتعزيز الحضارة الإسلامية"، حسب تعبيره.من جهته شجع المرشد الأعلى علي خامنئي، رجال الدين أيضاً على إيلاء مزيد من الاهتمام لإمكانات الذكاء الاصطناعي. وقال في حزيران/يونيو الماضي أنه يريد أن تكون البلاد "على الأقل من بين أفضل 10 دول في العالم في الذكاء الاصطناعي".ويتوقع ألا يغير كبار رجال الدين في إيران، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين 80 و100 عام، مسارهم، لكن رجال الدين الأصغر سناً سيكونون على الأرجح أكثر انفتاحاً على التقدم التكنولوجي.وعلق قطبي أنه ليس صحيحاً افتراض أن المجتمع الإيراني أصبح حتماً أقل تديناً، وأضاف أن التطورات التكنولوجية السريعة ورفض العديد من النساء ارتداء الحجاب منذ الاحتجاجات، أثارا قلق كثيرين، خصوصاً الإيرانيين الملتزمين، ودفعاهم إلى البحث عن "منقذ" في التعاليم الإسلامية. وأضاف أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد رجال الدين أيضاً على مخاطبة هذه المخاوف بسرعة أكبر، وإصدار الأحكام في مجتمع يزداد تعقيداً كل يوم.وأوضح قطبي أن "مهمة رجال الدين لا تنحصر في توضيح الأعمال الصالحة والتوجيه بالتزام الصدق. فمجالات مثل علم الاجتماع وعلم النفس والصحة والترفيه تدخل في الدين أيضاً"، وقال أيضاً أن "الذكاء الاصطناعي سيمكن رجال الدين من تبنّي نهج أشمل، وبالتالي سيكون لهم تأثير اجتماعي أكبر".