2024- 07 - 27   |   بحث في الموقع  
logo “حزب الله” شيع شهيده عبدالله فقيه في ربّ ثلاثين logo ميقاتي من باريس: سعيدٌ بوجود اللبنانيين في الأولمبياد وهذا عملٌ كبير جداً logo "هوّارية" للجزائرية إنعام بيوض...انحطاط المجتمع ترويه النساء logo في مزاج الدولة الأسدية وجوائزها التقديرية والتشجيعية logo ريف دمشق: التسوية الأمنية تتوسع نحو قرى جبل الشيخ logo بين هاريس وترمب... تقارب في الأرقام بـ3 ولايات متأرجحة logo "هذا وعدها وعهدها"... فياض: أميركا شريكة في الجرائم على لبنان logo "هجومٌ لاذعٌ" من عبدالله على كلّاس: مناشدته مردها المخالفات التي يرتكبها في وزارته
الاعتداء على مستشفى الرحمة
2023-09-19 19:42:11

ما حصل في مستشفى الرحمة في طرابلس، قبل يومين، هو اعتداء. انتهاك. لا إسم آخر له. وهو مرعب وخطير وبشع.مراسل صفحة "شعبية" في مواقع التواصل، يفرض حضوره وكاميراته على مؤسسة طبية. يلزمها بفتح غرفة عيادية فيها. يجول و"زميله" (العضو في نقابة المحررين!) في أرجائها، يفتشونها، يستجوبون الطبيبة وأحد المسؤولين في المستشفى. ليست أسئلة صحافية، بل أسئلة محققين، محاكم تفتيش، صائدي ساحرات! عنف مبطّن مغلّف بسلميّة زائفة ولياقة أقرب إلى التهجّم منها إلى الأدب. بلطجة مقنّعة. والطبيبة، على هدوئها، تبدو خائفة.طبيبة خائفة من "مراسل" محلي! لا شيء طبيعياً في هذه الجملة.تجيب كأنما على أسئلة "شرطة الأخلاق" التي نقرأ أخبارها الواردة من إيران كل يوم، ونرتعش لهول ما تقترف. وكأن الطبيبة كانت تدلي بشهادته في محكمة طالبانية، أمام هيئة كنسية من العصور الوسطى. كأن سائليها هم النسخة التي لن تلبث أن تتطور إلى "داعش" في ما لو سنحت لها الفرصة وواتتها الظروف. الظروف هذه تتبدى الآن باكورة تشكّلها.وهدوء "المحققين" يخفي الكثير بدوره. لياقة موتورة، تكتفي الآن بنبرة العتب الشديد والغيط المكتوم، المتواري واللامتواري في آن، خلف الأسئلة "الكثيرة" و"الاكتشافات" المدهشة. لكن ماذا الذي سيفعلونه في المقبل من الأيام؟ لا حاجة لخيال جامح يتيح التنبؤ.كلنا في المهنة يعلم أن حضور الصحافيين و/أو كاميراتهم في مؤسسات طبية، يستلزم إذناً ومبرراً من إدارة المستشفى. أما هنا، فالمراسل المزعوم موجود بحُكم الخوف المضمر والتخويف اللامحكي، لكنه مفهوم لدى الطرفين. السائل والمجيب، الزائر والمضيف. رعب مسبق من أحكام ميدانية مرتجلة أو مخطط لها، بألف شكل وهيئة، بعد تفشي خطاب مهووس بالجنس في بلد جائع، جائع حرفياً.الآن بات الخوف "مدنياً" أيضاً، مع ميكروفون وكاميرا، بلباس صحافة المواطن التي بدأت ذات يوم لتكون صوت المغيبين في قنوات الإعلام الرسمي خادمة سلطات مستبدة، لتكون صورة مَن لا تصلهم كاميرات موضوعية وجدية في زمن الحرب وساحات الصراع الدموي، قبل أن تنتقل رايتها إلى الشبكات الاجتماعية. لكن هؤلاء الذين أجروا "كبسة" بالصوت والصورة على مستشفى الرحمة الطرابلسي، لا يختلفون في شيء عن "جنود الرب" و"جنود الفيحاء" وسواهم من شبيحة الأحياء الذين ينصّبون أنفسهم بالقوة أوصياء على عفة مجتمعاتهم الصغيرة كما يفهمونها. أغار مراسلو الصفحة الفايسبوكية على المستشفى تحت شعار "أتينا لنتأكد مما يُتداول فنبرئكم أمام الناس.. إن كنتم بريئين". هذا الشعار المُلطّف. والشعار الفعلي: نحن هنا لنحاسبكم، بأسئلتنا وجولاتنا التفتيشية أولاً، وربما ثانياً بأيدينا الطويلة في الشارع.هذه الزيارة "الصحافية" ليست سوى انتهاكات بالجملة: لحرمة مؤسسة طبية، لخصوصية مرضى، لعمل توعوي تقوم به جمعية ومثلها كثيرات حققت إنجازات في بيئات صعبة، انتهاك للإعلام ومواثيقه وللمجتمع ككل. ترهيب صافٍ. مستقوٍ بخطاب شعبوي سائد، بأحداث تأديبية سابقة أقل ما يقال فيها إنها جرائم، ويشد ظهره بما يمكن أن تنفّذه الأجنحة العضلية لهذا التنمر الأهلي.عصابات القيم الأسرية، ظواهر طارئة. عنفها الظاهر، في النهاية، لا بد أن ينقلب ضدها، يوماً ما. ربما حين ينقطع تمويلها، أو تزيحها فتحلّ محلها قوى أخرى بأجندات وأذرع مختلفة. وخطاب التمييز والكراهية الذي تبثه مرجعيات سياسية ودينية، يُكافَح بخطاب مقابل.لكن ترهيب المجتمع من داخله، بأدوات إعلامية يفترض أنها تخدم الأقل قدرة على التعبير عن قضاياه ومظالمه، تماماً مثلما تخدم تلك العيادة الطرابلسية الفئات الأكثر فقراً وحاجة للتوعية والتمكين... وبل وأن ينال هذا الإعلام الزور مشاهدات وإعجابات وتفاعلاً لافتاً في السوشال ميديا، ثم يمدّ مسطرة رهاب المثلية على النساء والرجال في أمراضهم/ن وكامل ما تكتنفه مروحة الجنسانية من قضايا نفسية واجتماعية وصحية،... فهذا الترهيب يدق ناقوس خطر مضاعف، في بلد يعاني أزمة شاملة، بما في ذلك انحلال قوى إنفاذ القانون ومؤسساته، بل والقانون نفسه.وبعد.. فقد تشكّل في لبنان شيء – نعم شيء إذا لا توصيف يضعه في خانة الأجسام المهنية التي قد يشكلها صحافيون يُعتدّ بهم – إسمه "إعلاميون وإعلميات ضد الترويج للشذوذ الجنسي". بعضهم يعمل في مؤسسات إعلامية مكرسة، والبعض الآخر يمثل روابط أهلية واجتماعية. وهؤلاء ينظمون الندوات، يوزعون أخبارهم على الوكالة الوطنية للإعلام والمواقع الإلكترونية المحظية بالمتابعين، ويزورون وزير الإعلام الذي يقول في حضرتهم: "نحن مستعدون بالشراكة مع وزارات ومؤسسات اخرى للقيام بكل ما من شأنه حماية مجتمعنا وأسرنا وقيمنا الاجتماعية".خطر مضاعف يفضي إلى سؤال مزدوج: مَن يحمي ضحايا هؤلاء؟ ومَن يحمي عموم الناس من تفاقم أفكار مشوهة علمياً وثقافياً وأخلاقياً؟مات لبنانيون ولبنانيات، وعاشوا، من أجل صحافة حقيقية، من أجل قيم الحرية، ومن أجل كود اجتماعي أكثر تقدماً وحداثة ورحابة. والآن... هؤلاء... الذين ليس ما يمنعهم، غداً أو بعد غد، وتحت الشعارات نفسها، من مهاجمة صحافيين/ات وناشطين/ات ومواطنين/ات لهم رأي آخر في مواضيع جندرية وحقوقية وحتى سياسية أوسع بكثير من الموضوع الذي يكافحونه بالتعديات وفائض الأخلاق.الآليات القانونية تنبري لملاحقة ناشطين وصحافيين معارضين للسلطة ومنتقدين لممارساتها (معظمهم ليس في نقابة المحررين ويساءل في المخافر كمُنتحل صفة!). ولا قانون في ذلك الدغل المظلم المتكاثف أمامنا يوماً بعد يوم، وتزداد نباتاته السامة حجماً وتجذّراً.. وسمّاً.



وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top