مثلما كانت حياته هادئة بعيدة من صخب الحياة الفنية، رحل في هدوء المطرب علاء عبد الخالق، نجم أغنية الثمانينيات والتسعينيات، وأحد أبرز من رفعوا لواء الأغنية الشبابية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين حينما كان شريط الكاسيت هو المتحدث الرسمي باسم الغناء في العالم العربي، قبل الاسطوانات المدمجة والأغنية الرقمية. كان عبد الخالق ذا نفس هادئة مثل روح أغانيه، صحيح أنها تمتعت بإيقاعاتها السريعة بفعل تعاونه مع اثنين من فرسان تلحين الأغنية الشبابية، أحمد منيب وحميد الشاعري، لكنها على كل حال كانت أقل صخباً من أغنيات أقرانه من نجوم المرحلة أمثال عمرو دياب، مصطفى قمر، محمد فؤاد، راغب علامة، وإيهاب توفيق. ومنذ رحيل علاء، فجر الثلاثاء، تحولت صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الفنية إلى سرادق عزاء غص بعبارات الحزن والأسى من جانب أصدقائه في الوسط الفني الذين تحدثوا عن حالة الافتقاد بعد رحيله، وكذلك من نقاد فنيين تحدثوا عن مآثره الفنية وتميزه بين أقران جيله، وأيضاً من جمهوره العريض الذي استعاد مع أغنياته حنينه إلى زمن الصبا والشباب لما غنوا معه: داري رموشك، راجعلك، مرسال الحب، مكتوب، بحبك باستمرار، قلبي طيارة ورق، وغيرها من أغنيات المطرب الراحل. وكم كنت أتمنى لو كانوا أسمعوه هذه العبارات الندية المفعمة بالمحبة والتقدير، وهو على قيد الحياة، لربما رفعت من معنوياته التي تأثرت كثيرا بحالته المرضية بعدما تعرض لأكثر من أزمة صحية في سنواته الأخيرة، قلصت حضوره الغنائي في الساحة الفنية، وكان آخرها جلطة دماغية شعر بها أثناء تصويره إحدى حلقات برنامج "صاحبة السعادة" الذي تقدمه الفنانة إسعاد يونس في قناة dmc الفضائية، وهي الجلطة التي أخذت من قدرته على الحركة وتسببت في ضعف بصره وميله إلى العزلة.

(مع اللاعب خالد الغندور)ورغم محاولات أصدقائه الفنانين والرياضيين، الالتفاف حوله في كثير من مناسباته العائلية، أمثال حميد الشاعري، هشام عباس، إيهاب توفيق، محمد محيى، منى عبد الغني، خالد الغندور وأحمد برادة، كما حدث في الاحتفال بعيد ميلاده العام الماضي، أو مشاركته فرحته بزفاف ابنته قبل شهرين، إلا أن علاء عبد الخالق آثر الاعتزال والعزلة في منزله.
واللافت أن كل الذين كتبوا عنه بعد وفاته وقعوا في خطأ تحديد سنة ميلاده، استناداً إلى موقع "ويكيبيديا" الذي أشار إلى أنه من مواليد 23 شباط 1964، وواقع الأمر أنه من مواليد 1960، إذ ليس من المنطقي أنه انضم إلى فريق "الأصدقاء" الذي كوّنه الموسيقار عمار الشريعي بصحبة المطربتين حنان ومنى عبد الغني العام 1979 وهو في الخامسة عشرة من عمره، لا سيما أن الألبوم الأول للفريق الذي ظهر في العام التالي بعنوان "حنغني"، لا يشير فيه صوت علاء عبد الخالق إلى أنه ابن 16 عاماً. فضلاً عن أن الشريعي كان قد سعى إلى تكوين فريق الأصدقاء من خلال اختبارات عديدة أجراها لطلبة المعهد العالي للموسيقى العربية التابع لأكاديمية الفنون في مصر، ومن طريق تلك الاختبارات اختار الأصوات الثلاثة: علاء عبد الخالق ومنى عبد الغني وحنان، واستبعد صوتاً رابعاً كان ينوي الاستعانة به هو بدر النقشبندي، حفيد الشيخ سيد النقشبندي العلَم الأشهر فى مجال الابتهالات والتواشيح الدينية. ما يعني أنّ علاء ورفيقتيه في الفريق، كانوا قد تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر في أقل تقدير.
على أية حال، أحدث "فريق الأصدقاء" حالة فنية مهمة في الأغنية الجماعية القصيرة، جنباً إلى جنب مع فرقة "المصريين" التى كونها الموسيقار هاني شنودة وفرقة "فور-إم" التي كونها الفنان عزت أبو عوف، وهي التي ملأت الفراغ الذي أحدثه رحيل قمم الغناء الطويل، أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ.
(مع حميد الشاعري)تخرج علاء في قسم الآلات بالمعهد العالي للموسيقى العربية-تخصص آلة الناي التي وصفها ذات مرة بأنها حزينة مثله، ومن أجل ذلك اختارها لدراسته، وذلك في الوقت الذي قدم فيه مع فريق "الأصدقاء" مجموعة من الأغنيات الشهيرة منها: الموضات، مع الأيام، الحدود.. ورغم النجاح الواضح الذي حققه الفريق، فقد انفرط عقده مع انتصاف الثمانينيات، وراح كل عضو فيها يشق لنفسه طريقاً منفصلاً.
فقدم علاء عبد الخالق ألبومه الأول "مرسال الحب" بالتعاون مع الملحن حميد الشاعري الذي وضع بصمته على جيل كامل من مطربي هذه المرحلة، أمثال مصطفى قمر، هشام عباس، حنان، منى عبد الغني، علي حميدة، إيهاب توفيق، ومعهم بطبيعة الحال علاء عبد الخالق. في هذه الأثناء عرفتُ علاء شاباً طموحاً هادئ الطباع، وخجولاً إلى أبعد الحدود، محباً لزملائه ومتعاوناً معهم بألحان قدمها لهم رغم أنهم فى حالة منافسة معه.
لم يأخذ علاء من الوسط الغنائي ضجيجه أو مظاهره أو شهوة جمع المال، رافضاً الدخول في مجالات لا يحبها، كالتمثيل، ومعبّراً عن رأيه الذي ظل يردده دائماً بأن التمثيل يخرج الإنسان من ذاته إلى كائن آخر، وهو لا يحب أن يكون إلا نفسه. فأعطى كل اهتمامه للغناء.
وقد عايشتُ معه ولادة الكثير من أغنياته: راجعلك، طيارة ورق، مكتوب، سامحي، لازم أحبّك، داري رموشك، وحشتيني، بحبك باستمرار، ح تعرفيني، وياكي، إيدي بتدور على إيدك.. بل كنت أحياناً مشاركاً في صنعها، إذ رتبتُ له تعاونه مع المخرج شريف عرفه الذي أخرج له كليب "سامحي"، وكذلك المخرج عادل عوض الذي أخرج دويتو "بحبك باستمرار" مع المطربة أميرة، فكان المطرب الراحل من أوائل المطربين الذين صوروا أغنياتهم بأسلوب الفيديو كليب. ومع بدايات الألفية الجديدة، أقام علاء عبد الخالق مجموعة من الحفلات داخل ساقية الصاوي في القاهرة، كان آخرها العام 2015، فاكتسب جمهوراً جديداً التف حول أغنياته قديمها وجديدها على السواء، وقد حرص كثير من زملاء جيله على مشاركته في تلك الحفلات وفاء له وتقديراً لمكانته بينهم.سألتُ الموسيقار الراحل عمار الشريعي ذات يوم: لقد اكتشفتَ أصواتاً غنائية عديدة، مثل منى عبد الغني، علاء عبد الخالق، حنان، حسن فؤاد، آمال ماهر، هدى عمار، وغيرهم... أي من هذه الأصوات أحب إليك؟ فقال: "دعني أجيبك بالطريقة التي أريدها: أقوى هؤلاء غنائياً أمال ماهر، وأكثرهم وفاء وإخلاصاً علاء عبد الخالق، ثم تنهد قائلا: فينك يا زمان الأصدقاء؟!"، وبعدها لاذ بالصمت.