قد يكون أي جزم بموعد محتمل لانهاء ازمة الاستحقاق الرئاسي في لبنان ضربا من المغامرة غير المأمونة الجانب وسط التعقيدات الداخلية والضبابية الخارجية التي تغلف واقع هذه الازمة في شهرها السابع. ومع ذلك بدا لافتا في الأيام الأخيرة تكاثف المعطيات وتعاظم الرهانات أيضا على تصاعد الضغوط الاستثنائية لجعل شهر حزيران شهر حسم الازمة الرئاسية، وان كانت الشكوك في نجاح هذه الضغوط لا تزال كبيرة وجدية للغاية. ورغم ان حركة السفير السعودي وليد بخاري في الأيام الأخيرة استنفدت اغراضها لجهة ابلاغ القوى والكتل النيابية بالموقف السعودي الحاسم من الاستحقاق وقد بات واضحا ومعروفا، فان اللافت لدى اوساط سياسية مطلعة ومواكبة لمجمل المجريات الديبلوماسية والسياسية المتصلة بالمساعي لاستعجال التوصل الى اختراق يتيح انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، هو تعليق التحركات الخارجية الخاصة بالاستحقاق اللبناني لمصلحة تشجيع وتحفيز التحركات الجارية في الداخل، كأن هناك تقاطعات او تفاهمات خارجية دولية وإقليمية للدفع في اتجاه زيادة منسوب لبننة الحل للاستحقاق الرئاسي وما يليه. وتستدل هذه الأوساط على هذا الموشر البارز بثبوت عدم وجود أي اجندة للقاء جديد للمجموعة الخماسية التي تضم ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر والتي اجتمعت مرات عدة في باريس خلافا لكل المزاعم التي شاعت في بيروت حول اجتماع قريب. كما ان أي لقاءات أخرى في اطر ثنائية او ثلاثية ليست على جدول اعمال الدول المعنية بمتابعة الازمة اللبنانية بما بات يعكس حقيقة وجود تسليم خارجي بضرورة ان يكون الداخل اللبناني بكل ما يعتمل به لبنان من تداعيات الازمات التي تعتصره، هو الممر الأول والحتمي للحل الذي سيستولد رئيس الجمهورية . وفي رأي هذه الأوساط فان التقاطع الواضح في ادبيات بيان وزارة الخارجية الأميركية في مطلع أيار الحالي وادبيات الخطوط الرئيسية للموقف السعودي الذي يعبر عنه السفير وليد بخاري في جولته الراهنة، لم يكن مجرد مصادفة اطلاقا وانما هو نتاج مسارات التنسيق بين الدول المعنية وفي مقدمها الولايات المتحدة والسعودية. واما العنصر الداخلي الاخر الذي يجري ترقبه في الفترة القصيرة المقبلة فيتصل بمؤشرات برزت في الأيام الأخيرة حيال اقتراب قوى المعارضة المتفرقة والمختلفة من توحيد موقفها حول مرشح او مرشحين اثنين بما يسقط عن هذه القوى تبعة توجهها اليها دول كفرنسا وجهات داخلية عدة بانها لا تقدم البديل من رفضها لترشيح رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه واي مرشح يدعمه “حزب الله”. وسواء تم التوصل الى هذا التطور ام برزت تعقيدات جديدة امامه، فان الأوساط المطلعة نفسها تكشف ان وساطتي كل من النائب غسان سكاف المعنية بتوصل المعارضة الى اعلان مرشحها او مرشحيها ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب المعنية بالسعي الى احياء حوار نيابي – سياسي حول سبل الخروج من الازمة، تحظيان بتشجيع ديبلوماسي قوي لكونهما تكملان مسارات البحث عن حلول داخلية.
مشهد التحركات
في غضون ذلك وفي اطار جولته على القيادات السياسية والروحية اللبنانية، زار السفير السعودي وليد بخاري امس الرئيس تمام سلام حيث “جرى التشديد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن منعا لاطالة مدة الفراغ ودخول لبنان في المجهول”، بحسب بيان صادر عن مكتب سلام . وسيزور بخاري بنشعي اليوم للقاء رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه الذي تردد انه زار والوزير السابق يوسف فنيانوس رئيس مجلس النواب نبيه بري في اعقاب زيارة السفير بخاري لعين التينة اول من امس.
كما ان فرنجيه التقى امس في بنشعي بو صعب ضمن الجولة التي يقوم بها على كل المرجعيات السياسية في البلد “بهدف ايجاد قواسم مشتركة بموضوع رئاسة الجمهورية والفراغ والمشاكل التي تواجه اللبنانيين” كما قال . وأضاف: “باختصار وجدت لدى سليمان بك كل الانفتاح للتواصل والحوار والتفاهم مع كل الفرقاء وخاصة ان هذه هي الطريقة الوحيدة التي تدفع كل الفرقاء المختلفين للجلوس مع بعضهم البعض والتحاور حول القيم التي يمثلها كل منهم”. ورأى “انه طالما لا شروط مسبقة من كل الافرقاء وهذا ما لمسته خلال جولتي فبالامكان مد جسور التواصل”.
في موازاة ذلك وفي نهاية المرحلة الاولى من تحركه مع القوى المعارضة للاتفاق على اسم موحد لرئاسة الجمهورية، زار النائب غسان سكاف امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي. وقال سكاف بعد اللقاء ان “هناك بصيص امل في الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية” مرجحا ان يحصل الانتخاب في حزيران ، كشف “اننا قد حصرنا الاسماء بـ3 من اصل 11 تم البحث فيها”.
“الحزب” بنبرتين!
في المقابل عاد “حزب الله” الى اطلاق لعبة التساهل والتشدد في مواقفه على سطح واحد. وفي هذا السياق غرّد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عبر حسابهِ على “تويتر” قائلاً: “أكدنا مراراً المقاربة الإيجابية بطرح اسم مرشح للرئاسة، واليوم أصبحت الأمور واضحة أكثر محلياً وإقليمياً، ولا ينفع الاستمرار بالمقاربة السلبية برفض الآخر من دون تقديم البديل. حزب الله لم يتوقف عن مدِّ اليد إلى شركاء الوطن بالحوار للتوصل إلى انتخاب الرئيس”. وأضاف: “أعلنَّا دعمنا لترشيح الوزير (سليمان) فرنجيه، فلتطرح الكتل الأخرى مرشحها أو مرشحيها، ونحن مستعدون للتداول لتقريب وجهات النظر للخروج من المراوحة، ثم يكون الانتخاب بتطبيق الدستور لانتخاب الرئيس في المجلس النيابي”.
في الوقت نفسه استعاد رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد نبرة التشدد واستأنف حملاته على خصوم الحزب ومعارضي انتخاب فرنجيه فقال “يقولون لنا أسقطوا مرشحكم وتعالوا لنتفاهم، هم لا يريدون الحوار بل يريدون أن نتخلى عن مرشحنا، فيما يريدوننا أن نستمع الى أسماء مرشحيهم ونتحاور حول الاسماء التي يطرحونها ثم يتهموننا بأننا نرفض الحوار ونرفض التفهم والتفاهم”. واعتبر أنه “قد يطول الوقت حتى يستوعبوا الحقيقة، لكن هذا شأنهم لأن الإستحقاق الرئاسي واختيار الرئيس له علاقة برسم مسار البلد الاستراتيجي . لا يمكن أن يحصل تسامح وتساهل في اختيار الشخص الذي يشكل ضمانة لهم ولأمنهم ولسيادتهم ومصالحهم، والشخص الذي لا يدار من قبل الاعداء على الهاتف هذا ما نصبو إليه وما نصبر من اجله”.
الى ذلك جال وفد برلماني اوروبي امس على عدد من القيادات السياسية وقائد الجيش العماد جوزف عون. واكد الوفد “القرارات والتوصيات التي تقدمت بها كتلته النيابية في البرلمان الاوروبي لا سيما تلك المتعلقة بمكافحة الفساد وملاحقة المسؤولين اللبنانيين وتجميد اموالهم كما الدفع نحو تحقيق العدالة وعدم السماح بالافلات من العقاب وتوجيه القضاء الاوروبي لدعم استقلالية القضاء اللبناني في التحقيقات بدءا من قضية تفجير بيروت وصولا الى سرقة اموال المودعين”.
كذلك تركز النقاش حول موضوع رئاسة الجمهورية “وكيفية تحقيق اختراق في العملية السياسية من دون فرض مرشح فريق على الفريق الآخر، والتاكيد ان الرئيس المقبل يجب ان يكون حرا ومستقلا عن اي فريق يسعى لتسخيره لمصالحه الفئوية وبالتالي من الضروري العودة الى اصول اللعبة الديمقراطية وعدم محاولة فرض معادلة اما هذا المرشح او التعطيل وكذلك الخروج من معادلة السلة التي تتضمن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”.