هاجم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، «التيار الوطني الحر»، من غير أن يسميه، على خلفية مقاطعته جلسات مجلس الوزراء، قائلاً إن الفريق الذي يعرقل انعقاد جلسات الحكومة «يتصرف على قاعدة الانتقام المتأخر من (اتفاق الطائف)، ويعمل على نسفه بكل الوسائل»، مشيراً في سياق التطورات الأمنية إلى أن جهة غير لبنانية كانت وراء إطلاق الصواريخ من جنوب البلاد باتجاه إسرائيل قبل أيام.
وتتعرقل محاولات انعقاد جلسات الحكومة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وترفض قوى سياسية، وفي مقدمتها «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، انعقاد جلسات مجلس الوزراء في ظل الشغور إلا للحالات الطارئة والاستثنائية. وعقدت الحكومة منذ ذلك الوقت أربع جلسات، وقاطعها معظم الوزراء المحسوبين على «التيار الوطني الحر» وحلفائه، رفضاً لتعويم الحكومة في ظل الشغور الرئاسي.
وقال ميقاتي في بيان وزعه مكتبه الإعلامي أمس: «بدا واضحاً منذ اليوم الأول لتولي الحكومة مسؤولياتها بعد الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، أن هناك فريقاً سياسياً لا يريد لهذه الحكومة أن تعمل، ويتصرف على قاعدة أن المطلوب هو الوصول إلى التعطيل التام للحكومة، بعد التعطيل الحاصل في عمل المجلس النيابي، لإيصال البلد إلى الانهيار التام». وأضاف: «هذا الفريق يتصرف على قاعدة الانتقام المتأخر من (اتفاق الطائف)، ويعمل على نسفه بكل الوسائل، لكن الأكثر غرابة أن هذا الفريق نفسه يقلب الحقائق ويتهم الحكومة بعدم إعطاء الانتباه لملاحظات وتحذيرات صندوق النقد الدولي، فيما الفريق نفسه هو من يساهم في تعطيل المشاريع التي أرسلتها الحكومة إلى مجلس النواب». وأشار إلى أن «الحكومة ستواصل عملها وفق قناعاتها الوطنية والموجبات الدستورية، وليست في وارد الحلول محل أحد أو مصادرة صلاحيات أحد، وعلى المعترضين أن يتوقفوا عن تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد، وأن يقوموا بواجباتهم الدستورية أولاً».
وفشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس، بعد نحو خمسة أشهر على الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية، وعجز القوى السياسية عن الاتفاق على مقاربة واحدة للرئاسة، بموازاة تدهور مالي واقتصادي وإضرابات تشل عمل القطاع العام، وتحتاج جميعها إلى جلسات حكومية وإجراءات وزارية لمعالجة أزماتها.
وتابع ميقاتي أن «انعقاد جلسة لمجلس الوزراء مرهون بانتهاء البحث بموضوع تصحيح رواتب القطاع العام والتقديمات الممكنة». وقال إن «اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام تواصل اجتماعاتها لدرس الاقتراحات الممكنة بتأنٍّ ومواءمتها مع الاقتراحات المرفوعة من وزارة المالية، على قاعدة تأمين التوازن المطلوب وعدم الوقوع مجدداً في دوامة التضخم وزيادة العجز لتغطية كلفة الرواتب، وهذا الأمر هو أيضاً من ضمن بنود التفاهم الأولي مع صندوق النقد الدولي». ولفت إلى موضوع المتقاعدين الذي يتم درسه أيضاً بعيداً عن ضغوطات التهديد والشعبوية التي يعتمدها البعض، لمساعدة ودعم هذه الشريحة من الناس التي قدمت خدمات أساسية في كل القطاعات، لا سيما في الأسلاك العسكرية والأمنية.
ويأتي ذلك بعد أيام على توتر أمني شهده الجنوب، إثر إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه شمال إسرائيل، ورد الجيش الإسرائيلي بالقصف على مناطق في الجنوب.
ورداً على الاتهامات الموجهة للحكومة بـ«الغياب» و«العجز»، قال ميقاتي: «كل ما يقال في هذا السياق يندرج في إطار الحملات الإعلامية والاستهداف المجاني؛ إذ منذ اللحظة الأولى لبدء الأحداث في الجنوب، قمنا بالاتصالات اللازمة مع جميع المعنيين، ومع الجهات الدولية الفاعلة بعيداً عن الأضواء؛ لأن هذه المسائل لا تعالج بالصخب الإعلامي أو بالتصريحات». ولفت إلى أنه «أوعز إلى وزارة الخارجية بالتحرك على خط موازٍ وإجراء الاتصالات المناسبة، وعندما تمت المعالجة المطلوبة أدلينا بالموقف الدقيق والواضح».
وقال: «خلال الأزمة كنت أعقد اجتماعاً مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتو، وطلبنا منه الضغط على إسرائيل لوقف أي عمليات تؤدي إلى مزيد من التوتر في الجنوب. كما شددنا على أن لبنان يرفض مطلقاً أي تصعيد عسكري من أرضه واستخدام الأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات تتسبب بزعزعة الاستقرار القائم».
وعن التحقيقات، قال ميقاتي إنه قد تبين من التحقيقات الأولية التي قام بها الجيش أن من قام بإطلاق الصواريخ، ليس جهات منظمة، بل عناصر غير لبنانية، وأن الأمر كان عبارة عن ردة فعل على العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة.
وأضاف: «في المقابل، فإن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والانتهاك المتمادي للسيادة اللبنانية أمر مرفوض، وقدمنا شكوى جديدة بهذا الصدد إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن الدولي».
وسلمت المندوبة الدائمة بالوكالة لدى الأمم المتحدة في نيويورك جان مراد، كتاب الشكوى الذي وجهته وزارة الخارجية باسم الحكومة اللبنانية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وقد حذّرت السلطات اللبنانية في الكتاب من خطورة التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، لا سيما القرى الواقعة في الجنوب اللبناني، وأكدت حرصها على العمل لسحب فتيل الفتنة والدعوة إلى تهدئة النفوس، محملة «إسرائيل» مسؤولية تداعيات أيّ تصعيد من شأنه أن يفجر الأوضاع على الحدود اللبنانية الجنوبية.
وأكدت السلطات اللبنانية رفضها استعمال أراضي لبنان كمنصة لزعزعة الاستقرار القائم، مع احتفاظه بحقه المشروع بالدفاع عن النفس، وأعادت التأكيد على أن إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الأمم المتحدة وقوات «اليونيفيل» هو السبيل المثلى لحل المشاكل والحفاظ على الهدوء والاستقرار، مبدية استعدادها للتعاون الدائم مع قوات حفظ السلام على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (1701)، وحرصها على الهدوء والاستقرار في جنوب لبنان.